العدد 1638 - الخميس 01 مارس 2007م الموافق 11 صفر 1428هـ

أميركا ولعبها في الوقت الضائع

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

كانت البداية اتفاق «بوش» مع رئيس حكومة العدو «أولمرت» على عدم الاعتراف بحكومة الوحدة الفلسطينية إذا لم تعترف بـ «إسرائيل»، وتعلن قبولها بالاتفاقات المعقودة معها، وتنبذ العنف، على رغم أن «إسرائيل» لم تنفذ شيئا منها... وكان لقاء «رايس» مع «أولمرت» و«محمود عباس» يتحرك في هذا الاتجاه، فقد تحدثت الوزيرة عن الاتفاق على دولتين إسرائيلية وفلسطينية، وفقا للشروط التعجيزية التي أصرّ عليها المجتمع الدولي من خلال اللجنة الرباعية، ما يجعل اللقاء فاشلا في الحسابات الفلسطينية، لأن الرئيس الأميركي وإدارته وضعا الجانب الأمني كشرط للمفاوضات، بينما يعرف الجميع أن المسألة كانت ولا تزال مسألة سياسية ناشئة من الاحتلال الذي يسيطر على كل الساحة الفلسطينية، بما فيها غزة التي تحاصرها «إسرائيل» في عملية ضغط شامل على كل مواقعها من أكثر من جانب.

إن أميركا تلعب لعبة الوقت الضائع الذي يسمح لليهود باستكمال خطتهم الاستيطانية، إلى جانب تهويد القدس وبناء الجدار العنصري الفاصل الذي يصادر أكثر الأراضي الفلسطينية التي يطرد منها أهلها، مع تأكيد على منع اللاجئين من حق العودة، لأن الخطة الإسرائيلية في اللعبة المشتركة بينها وبين ما يسمى المجتمع الدولي تتمثل في منع الوصول إلى التسوية ريثما ييأس الفلسطينيون من أيّ حل، على رغم أن الفريق السياسي الغالب في السلطة الفلسطينية قدم التنازلات من أرض فلسطين ليطالب بالأراضي المحتلة في الـ 67، ملتزما المبادرة العربية لقمّة بيروت التي لم تحترمها «إسرائيل» ولا أميركا.

لقد جاءت وزيرة الخارجية الأميركية لخداع الدول العربية في المنطقة، بالإيحاء بأنها تسعى لحل مشكلة الصراع العربي - الإسرائيلي، ومن اللافت أنها استدعت مسئولي المخابرات في أربع دول عربية من أجل التنسيق بينها في دعم الخطة الأميركية في احتلالها للعراق وفي مواجهتها لإيران، لأن المطلوب أميركيا هو توظيف الخطة المخابراتية لخدمة الخطة السياسية من أجل العبث بالمنطقة، لتنفيذ المشروع الأميركي في السيطرة على الواقع العربي - الإسلامي لخدمة المصالح الاستكبارية على حساب مصالح العرب والمسلمين.

ويبقى الملف الإيراني النووي أداة أميركية لتهديد إيران وإخضاعها للشروط الدولية الأميركية والأوروبية، لإيقاف تخصيب اليورانيوم، وتجميد مشروعها في الاستفادة من الخبرة النووية في مشروعات الطاقة السلمية التي تمثل حاجة ضرورية للشعب الإيراني في المستقبل، وذلك من خلال اتهام إيران بالتخطيط لصنع السلاح النووي الذي أعلنت أعلى قيادة إسلامية في إيران تحريمها الشرعي له.

إن الأميركيين والأوروبيين يصرون على توجيه هذا الاتهام من دون أساس، وهذه هي المشكلة التي أصبحت تفرض نفسها على العالم، والمتمثلة في سيطرة أميركا وحلفائها على مجلس الأمن لإصدار القرارات الدولية التي توقع العقوبات على أية دولة لا تخضع للسياسة الأميركية وتاليا الأوروبية التابعة لها. وهذا هو الذي بدأ يشكل الخطر على العالم الذي تخطط الإدارة الأميركية ليكون خاضعا للتأثيرات الاستكبارية على مصائر الشعوب المستضعفة، لتبقى «إسرائيل» - وحدها - هي الدولة المدللة التي لا تجرؤ أية دولة في العالم العربي على معارضتها أو مناقشة السلاح النووي الذي تملكه، الذي تهدد به المنطقة العربية والإسلامية.

إن المشكلة في الواقع العربي والإسلامي هي أن الإدارة الأميركية خططت ولاتزال تعمل على إيجاد حالٍ خطرٍ من الفوضى الأمنية والسياسية، حتى أنها أثارت أكثر من فتنة تخلط أوراق المنطقة في نطاق الخلاف بين السنة والشيعة، والتطرف والاعتدال، والعروبة والقومية الفارسية، لتمنع أية علاقة إسلامية منفتحة على التنوع الإسلامي والقومي والجغرافي، لأن الخطة الأميركية هي تدمير الواقع الإسلامي على مستوى الدين أو الأمة من خلال الفتن التي تثيرها من قبل عملائها، ولاسيما من القائمين على الأنظمة التي أرادت لها أن تسجن شعوبها في السجن الكبير، لتبقى أميركا هي القوة الوحيدة الضاربة في المنطقة لتأمين استمرار خضوع شعوبها لسياستها الاستكبارية.

إننا أمام ذلك كله ندعو الأمة العربية والإسلامية إلى أن تعرف كيف تأخذ بأسباب الوعي لكل هذا التخطيط التدميري، لتعرف كيف تواجه الهجمة الاستكبارية بالمزيد من الوحدة والقوة والتخطيط الدقيق في خط المواجهة.

ويبقى العراق الجرح النازف في الأمة، من خلال الوحوش المفترسة التي تعمل على افتراس المدنيين العراقيين من الأطفال والنساء والشيوخ والشباب، بالتفجيرات الوحشية التي تحصد الناس من دون تمييز في جامعاتهم ومدارسهم ومساجدهم وأسواقهم بحجة تعطيل الخطة الأمنية. ومن المضحك المبكي أن هؤلاء يتحدثون عن مقاومة الاحتلال، في الوقت الذي نرى أنّ الذين يسقطون من جنود الاحتلال لا يزيدون عن عدد أصابع اليد بينما يسقط المدنيون العراقيون في كل يوم بالمئات من القتلى والجرحى، الأمر الذي يوحي بأن هؤلاء لا يملكون طهر المقاومة، التي إذا أخلصت لوطنها فإن عليها أن تصوب كل بنادقها وتفجر كل عبواتها ضد المحتل.

وعلى العالم العربي والإسلامي أن يتعرف على حقيقة الوضع في العراق، فلا يدخل في عملية الإثارة الطائفية التي قد تزور الكثير من المعلومات، لتشوّه الصورة الحقيقية على نحو يخلق حالات من الفهم الخاطئ للواقع العراقي، وعلى العراقيين أن يرتفعوا إلى مستوى المرحلة في القضية السياسية، ليعرفوا أن أسلوب المقاطعة بين الفرقاء لن يحقق لهذا الفريق أو ذاك الفريق أي مكسب على المستوى الطائفي أو العرقي أو السياسي... بل إن على الجميع أن يفكروا بالمكاسب الكبيرة للوطن كله من خلال وحدتهم، لأن هذا النوع من التجاذب السياسي لن يستفيد منه إلا المحتل الذي يجب على الجميع أن يتعاونوا لمقاومته بالخطة القوية الحكيمة، من أجل تحقيق مشروع انسحابه من البلد كله.

أما لبنان، فقد قالت وزيرة الخارجية الأميركية «رايس» إنه يمثل الساحة التي تعتبرها الولايات المتحدة الأميركية موقعها المفضل في تحريك سياستها في المنطقة لممارسة الضغوط المتنوعة على أكثر من بلد، وإعطاء الفرصة لمشروعاتها في تعطيل أكثر من مبادرة لحل الأزمة السياسية الداخلية، على رغم من سعي بعض الدول العربية الحليفة لأميركا في إطلاق أكثر من مبادرة، كما هو الشأن في حركة السياسة الأميركية المعطِّلة للحل في فلسطين، ورفض الاعتراف بحكومة الوحدة الوطنية هناك، لأن الخطة الأميركية هنا وهناك هي إخضاع الواقع العربي للخطوط الفوضوية لإرباك العلاقات بين دول المنطقة، وإثارة المشكلات المذهبية والقومية بين شعوبها.

ولذلك فإن من الصعب الحديث في لبنان الذي تحوّل إلى ساحة صراع وتجاذبات إقليمية ودولية - على رغم رفض السلطة لذلك - عن حلٍّ واقعي يزاوج بين المحكمة ذات الطابع الدولي التي يعتبرها البعض أساس المشكلة وحكومة الوحدة الوطنية، ولاسيما في ظل انعدام الثقة بين أهل السياسية بالمستوى الذي قد يصل إلى سقوط البلد تحت تأثير مخاوف الانهيار الاقتصادي، في احتدام الصراع الذي قد يقود إلى بعض المواقف التي لا تحمد عقباها.

إن مشكلة البلد أنه لا يتحرك من خصوصيات حركة الإنقاذ في الداخل، بالبحث عن الأسس التي تحفظ وحدته وفاعليته وتؤكد قاعدة المواطنة بين أهله، وعن الظروف الواقعية التي قد تقود إلى الحوار الموضوعي العقلاني الهادئ الذي لا يستهدف تسجيل النقاط على هذا الفريق أو ذاك، بل يستهدف الوصول إلى دراسة شاملة لكل المشكلات العالقة في معطياتها الواقعية، للاتفاق على الحلّ الذي يؤكد فيه الجميع أنهم معنيون بوطنهم وبقضاياه المصيرية وأوضاعه الحيوية، وليسوا معنيين بالاستماع إلى هذه القوة الخارجية لتنفيذ سياستها في البلد، ولو كان ذلك على حساب مصالح الشعب كله.

أخيرا، إننا نقول للذين يتحركون في الساحة السياسية للبلد: كونوا لبنانيين في الإخلاص للبنان الوطن والشعب والمستقبل، لبنان الإنسان، ولا تستغرقوا في خصوصياتكم الذاتية أو طائفياتكم الاستهلاكية، لتعرفوا أن هذا الجدل العقيم الذي تتراشقون فيه بالاتهامات بعضكم ضد بعض لن ينقذ البلد، بل قد يساهم في سقوط الهيكل على رؤوس الجميع.

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 1638 - الخميس 01 مارس 2007م الموافق 11 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً