مر أسبوعٌ واحدٌ، جرت خلاله الكثير من المياه تحت الجسر. ففي الأربعاء الماضي، استيقظ المجتمع على حقيقة ما سمي بـ «المعسكر الإرهابي» في بني جمرة، الذي أثبت عقم المعالجة الأمنية والإعلامية القديمة. أما أمس، فقد استضافت «الوسط» ثلة من وجوه وشخصيات المحافظة الشمالية، إلى جانب اثنين من كبار ضباط الداخلية.
الندوة المفتوحة كانت فرصة جيدة ليسمع كل طرف ٍ رأي الطرف الآخر، بعد عقودٍ من القطيعة والتدابر والجفاء. الندوة استمرت ساعتين، تكلّم فيها الجميع بصراحةٍ وانفتاح، وهي خطوةٌ إيجابيةٌ على طريق معالجة الاحتقانات. والندوة لن تقدّم حلولا جاهزة على طبق من ذهب، ولكنها خطوة أولى، لإيجاد لغة تفاهمٍ بعيدا عن الصدام.
القاعة جمعت أكثر من أربعين شخصا، (نوابا وبلديين ووجوه مجتمع وعلماء دين وصحافيين)، لم يكن فيها شخصٌ واحدٌ يؤيّد أو يحرّض أو يشجّع أو يتبنّى العنف أو يحاول تبرير الحوادث المؤسفة الأخيرة. كنت صامتا تماما، إذ يهمني سماع مختلف الآراء، وبالذات ممثلي الداخلية، فهذه من المرات النادرة ربما، التي يتكلّم فيها ضباطٌ مع مواطنين ليسمعوا ما يقولون، ويتبادلوا معهم الآراء. ولوحظ أن الكلّ يبحث عن معالجاتٍ وحلولٍ مؤقتة، وإن كان الكلّ يطمح إلى علاج الأسباب في مظانّها البعيدة، من بطالة وتجنيس و...
الندوة عكست بدقةٍ الحال الانتقالية التي تعيشها البلد، من حيث وجود أكثر من رأي لدى الطرفين. ففي الجانب الرسمي هناك رأيان: رأيٌ يرى أن واجب الداخلية هو حفظ الأمن فقط وفقط (كلمة واحدة)، ورأيٌ يرى أنه لابد من مشاركةٍ مجتمعيةٍ في تحمّل أعباء حفظ الأمن، فأي إطارٍ يتم حرقه سيؤدي إلى إغلاق الشارع والإضرار بمصالح الناس... وما يتبعه من مسيلات دموع واعتقالات.
على الجانب الأهلي، كان هناك أكثر من رأي أيضا، لكن كثيرين رأوا أن الداخلية تبالغ في إجراءاتها المفرطة في استخدام القوة وتطبيق سياسة العقاب الجماعي، فلا يجوز أن تمطر قرية تعدادها خمسة آلاف بمسيلات الدموع لأن ثلاثين شابا، نصفهم من خارج القرية أصلا، قاموا بحرق بعض الإطارات وحاويات القمامة. وكان الردّ بأن الداخلية صبرت أكثر من اللازم على تكرار الحوادث الأمنية، وخصوصا مع وجود أطرافٍ متضرّرة، ومطالبات بالتدخل لضبط الأمن، فضلا عمّا قد يراه المشاركون في المصادمات من تشجيعٍ في الصمت.
الآراء كانت واضحة ومباشرة، في جوٍّ من الشفافية والصراحة، وربما استطاعت أن تذيب الكثير من الجليد في العلاقة المعقّدة، فتغيير الصورة النمطية لرجل الأمن التي ترسّخت في أذهان جيلين أو أكثر من البحرينيين، لا يمكن تغييرها خلال عامٍ واحدٍ من اعتماد مبدأ الشراكة المجتمعية أو تدشين شرطة المجتمع.
جانبٌ آخر طرحه عددٌ من الحضور عن دور ما أسموه بـ «صحف الفتنة»، التي تتولّى تأجيج النفوس وزرع الأحقاد الطائفية، وما تفتأ تتهم أبناء الوطن في ولاءاتهم وتوزّع عليهم الاتهامات الباطلة في وطنيتهم، حتى بات مطلوبا من المواطن أن يقدّم دليلا على حبّه لوطنه كل صباح ومساء، وهو ما لا يحدث في أي بلدٍ آخر في العالم.
ممثل الداخلية أعلن أن وزارته لا تملك رقابة على الصحف، ولا تمتلك توجيهها أو التحكّم فيما تطرحه من مقالات أو «مانشيتات»، وأبرز مثال بيان الداخلية الذي قامت بتحريفه تلك الصحف لتضليل الرأي العام. وبالمناسبة هي ثلاث صحف مقابل صحيفة واحدة رأت من واجبها مواجهة مخطط التضليل، وليست صحيفة «شيعية» أو«سنية»، أو صحيفتين حزبيتن كما ظن بعض المثقفين الكونيين من أتباع غرومشي!
طوال الوقت كنت أفكر: هل ما يطرح في هذه القاعة سيصل إلى تلك الفئة من الشباب؟ الحضور سمعوا أصوات بعضهم بعضا، لكن غابت الفئة المعنية، التي لا تتلقى مواعظها من رجال الدين أو الصحافة أو الجمعيات السياسية. الجيل الأول الذي ولدته العولمة كان أبرز الغائبين.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1637 - الأربعاء 28 فبراير 2007م الموافق 10 صفر 1428هـ