العدد 1637 - الأربعاء 28 فبراير 2007م الموافق 10 صفر 1428هـ

لماذا لا يكون القانون قانونا؟

سكينة العكري comments [at] alwasatnews.com

اعتدنا وللأسف الشديد، في دولة المؤسسات والقانون، بأن القانون لا يطبق بشكل متساوٍ لكل الأطراف، وكأن قانون الاستثناءات والمزاج العام هو سيد الموقف، كما اعتدنا على تشخيص الحال السياسية بشكل غير متوازن، إلى جانب أننا عادة ما نعهد إلى معالجة ردات الفعل، تاركين وراء ظهورنا التوقف عند الأسباب التي دعت ردات الفعل هذه إلى الظهور على السطح؟

كما اعتدنا أن نقسم أنفسنا إلى قسمين قسم مع كلمة الحق يقولها بأعلى صوته غير آبهين بالنتائج والتداعيات التي سيجنيها، وقسم آخر ينتظر أن يُملى عليه من توجيهات وتعليمات قد تكون خارجة أصلا عن مواقفه السياسية أو حتى الاجتماعية، ولكنه على أي حال اعتاد على أن يكون تابع وأن يكون عبدا مأمورا، ينفذ ما يطلب منه من دون أدنى تردد غير مهتم هو الآخر بتداعيات ذلك لا على مستواه الشخصي ولا على المصلحة العامة، فكل ما يهمه أن يكون مطيعا.

على رغم مرور أسابيع على الحدث، لكن تأكيدا تابع الجميع حوادث اعتقال الأستاذ حسن مشيمع والأخوين اللذين معه وتداعيات الشارع والحوادث التي رافقتها، والتي أخذتنا بغير رضانا إلى احداث انتفاضة التسعينات، وخصوصا أن الأسلوب الذي في ضوئه تم اعتقالهم مثير للاستغراب، إذ لم يتم استدعاؤهم إلى النيابة وإنما اعتقالهم من بيوتهم، وفي وقت جدا حساس في الصباح الباكر، على رغم أن الأخوة المعتقلين لو تم استدعاؤهم لما تأخروا في الحضور في الموعد المحدد.

الفرق واضح جدا فالأسلوب الثاني أكثر حضارية من الأول بل إن الأول قد طلق ثلاث طلقات لا رجعة فيه، فقانون أمن الدولة قد ولى وودعناه، ولكن يبدو أن هناك حنينا وشوقا إليه.

عندما نحلل الوضع السياسي للاعتقال نضع مباشرة أيدينا على الأسباب، ولابد وللأمانة العلمية أن نضع أيدينا أيضا على المسببات، لا أن نقف على الأسباب تاركين المسببات الحقيقية وراء ردات الفعل، لا بغرض التماس الأعذار لهم، فالنيابة العامة وجهت لهم خمس تهم، وعلى النيابة أن تثبتها عليهم أو ينفيها المتورطون، وليس من الحصافة السياسية استباق الأمور أو النطق بالحكم قبل المحكمة نفسها مثل ما حدث بالنسبة إلى بعض التحليلات السياسية التي ذهبت بعيدا لتحدد عدد السنوات التي سيقضيها البعض في السجون، وحتى يكون القانون قانونا ولا يتعرض للانتقاد على رغم براءته.

القانون مواد جامدة لكن الذين يتعاطون معه وبه هم الأحياء الذين يملكون عقولا ينبغي من خلالها الالتفات إلى تطبيقه بالعدل، والعدل يدعونا إلى أن نتصرف كما تصرفنا مع التقرير المثير للجدل الذي أظنه السبب الحقيقي لحال التصعيد الخطابي لكل المعتقلين، ومع ذلك ترك التقرير جانبا بلا معالجة، ولكن إلى الآن لم تتبين للشارع الخطوات العملية التي تقوم بها النيابة حيال ذلك التقرير، وعندما تابع القضية صحفيان كانا يقومان بمهماتهما الصحافية تعرضا للمحاكمة، فالقانون الذي يعجل في اعتقال المتعقلين الثلاثة لخطبهم النارية إبان عاشوراء بسبب تهاون الحكومة في إنزال العقوبة بأبطال التقرير المثير للجدل، هو نفسه الذي يترك الآخرين هكذا من دون حراك ويعتقل هؤلاء ويحاكم ربما غيرهم.

للموضوعية فإن القانون لا يكون قانونا إلا إذا طبق على الجميع، وهكذا يصل الجميع إلى مرحلة احترام القوانين، أما عندما يطبق على فلان ويترك علان، فإن هذا قد يثير بلبلة في الشارع غير مبررة وغير مقبولة وعلينا حينها أن نتحمل ردات الفعل التي تنتج منها، بدليل أننا لم نسمع مثلا أنه تم اعتقال أحد رموز التقرير المثير للجدل للتحقيق معه، على رغم فداحة ما هم متورطون فيه، ولكن سمعنا أنه تم اعتقال أو محاكمة من تحدث عنه، كما أننا نرى أن قرارا قضائيا يمنع الحديث عن التقرير لريثما الانتهاء من التحقيق بحثا عن ظروف تتوافر لموضوعية الحكم، ولم نجد الأمر نفسه مطبقا عند اعتقال الثلاثة، بل العكس وجدنا إثارات صحافية مزعجة من شأنها أن تؤثر على مجرى التحقيق سواء من القوى السياسية أو نواب الشعب وأيضا الرموز السياسية، أليس التحقيق لايزال قائما وأنه تم الإفراج عنهم بضمان مكان الإقامة؟ لماذا الازدواجية إذا في القرارات، على رغم أن الحدث الثاني جاء نتيجة الحدث الأول، لكننا نجد أن الأول يظل معطلا وغير مفعل وبمنتهى السرية والاحتواء على رغم فداحته، بينما الثاني يأخذ حقه الكافي من المعالجة القانونية والسياسية.

هذا طبعا لا يعطي أية شرعية لأي كائن من كان أن يسمح لنفسه أن يسب أو يشتم الرموز الوطنية أو السياسية، مهما كان للمتورط وزنا أو ثقلا شعبيا، لأن الأمر مرفوض رفضا باتا ولا يحتمل الأخذ والرد فيه، وهو مدان جملة وتفصيلا، ولكن عندما نتكلم عن خطاب تصعيدي يتجه إلى الأعلى ويطالب بالحقوق والإصلاحات في إطار القانون ولا يخرج عن اللياقة العامة أظن أنه لابد لنا من سعة الصدر وتقبله بهدوء خصوصا إذا خلصت النوايا، فهذا بدوره يساهم في تطوير أوضاع الديمقراطية لدينا ولابد من احترام وجهات النظر وإن كانت مختلفة، فالاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.

لا أظن أن هناك عاقلا لا يدرك عقبات الانفلات الأمني أو يراهن على السلم الأهلي والاجتماعي، بل الذي يفكر أساسا بالإصلاحات السياسية لابد له أن يفكر أولا بتوافر الأسباب والعوامل اللازمة للاستتباب الأمني، حتى ترسو الإصلاحات السياسية عليه، وفي حال عدم توفر الأمن فإنه لا مجال أصلا لإيجاد إصلاحات على الأرض، وهذه مسئولية الجميع يشترك فيها الحاكم والمحكوم على سواء كل في موقعه وبحسب مسئوليته وتكليفه، ولكن إن نتوقع أن أحدهم يخطئ أو يسيء التصرف ويتوقع من الشارع أن يقف معه على رغم خطأه فهذا يدخل ضمن الحماقة السياسية التي ستجرنا إلى منعطف خطير جدا على الجميع أن يلتفت إليه.

لا أعتقد بأن هناك عاقلا تتوافر لديه الرغبة في المغامرة والدخول في أنفاق مظلمة من جديد انتصارا لأحد وهو يعلم يقينا بأنه مخطئ فإذا لم يدرك حقيقية خطأه عليه أن يتحمل كل التبعات من أجل تقدير العواقب في المرات القادمة، ليس تخليا أو تنصلا بل من أجل المساهمة في أن تكون للقانون هيبته وكلمته النهائية، والأهم من ذلك كله مراجعة الحال السياسية والعدالة في تطبيق القانون، فلا مجال هنا لترسيخ الحال المزاجية عند تطبيق القوانين فالتداعيات كبيرة جدا والضريبة باهضة جدا لا يقوى أحد على دفعها وسيتحمل نتائجها الجميع وإن الأوضاع يجب أن تقدر بعيون كبيرة.

إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"

العدد 1637 - الأربعاء 28 فبراير 2007م الموافق 10 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً