تميزت المرحلة البرلمانية المنصرفة بكثافة ما احتوته مما أحبذ أن أطلق عليه اصطلاحا بأسئلة الاسترجال السياسي النيابي، والتي دارت كثيرا حول قضايا وأمور خلافية مثيرة للجدل سبق وأن تفجرت مرارا ومرارا في باطن المجتمع مثل «عبدة الشيطان» و»الطابور الخامس» بالإضافة إلى التركيز على العديد من العناصر المحفزة للاستقطابات والانشطارات الطائفية والاثنية داخل التركيبة والمعادلة البرلمانية ذاتها، والتي ارتبطت في مجملها بمتغيرات وتطورات كارثية شهدتها المنطقة في العراق وغيره ما أدى للأسف إلى نهايات غير سعيدة لتلك لانعكاسات تلك التفاعلات الإقليمية المتقيحة طائفيا وسياسيا على السجال البرلماني المنصرف نتج عنه عدد من التلفظات والوقاحات الطائفية و»بكس» واحد لا غير تلاه فيض من تطييب الخواطر العينية المستعجلة مشعشعاَ بالماء والبرد!
وبالعودة إلى اصطلاح أسئلة الاسترجال السياسي النيابي العقيمة التي بعد أن عمت المرحلة البرلمانية المنصرمة وتسببت في وضعها في خانة «اللي ما سوا شي»، وأخذا بخصائصها التشخيصية وملامحها فإن هذه الأسئلة وفي غالبيتها العظمى أتت من خواء وإفلاس متراكم لدى مطلقيها الحائرين في سبل انتشال أدائهم البرلماني المغمور بعدما انتفت سبل العودة إلى الوراء المكونة من رشاوي وخدمات محسوبية، وذلك بغرض إثارة وتحريك الشارع للالتفات إلى خدوش حساسة في أقرب الأغلفة الاجتماعية المحيطة به على أمل «تسجيل» موقف، والخروج برصيد ولو عشري ينأى عن نطاق «الزيرو» البرلماني.
كما لعبت عوامل جمود وانعزالية وتقييد الحراك البرلماني دستوريا وعبر اللائحة الداخلية في ازدياد بواعث ذاك الاسترجال الاستفهامي، والتنافس على إظهار «الفزعة» و»المرجلة» هربا من فشل ذريع في اجتياز امتحانات معالجة وتصدي لقضايا كبرى أكثر خطورة وأهمية ومنها تلك المرتبطة بنهب ووهب الأراضي، وتحقيق العدالة الاجتماعية، والتوزيع العادل للثروة والاحتقانات الطائفية وغيرها من قضايا سياسية واقتصادية واجتماعية أكثر تأزما وتفجرا وحساسية!
أما سبب تصنيفنا لأسئلة الاسترجال ضمن الدائرة السياسية فهو يرجع إلى كونها في غالبها محاطة ومؤطرة بمنظومة من المصالح العامة الممزوجة بمصالح خاصة، كما أنها تنتهج من فن استخلاص «الممكن» نهجا سليما لها وسط قيود وعراقيل وضغوطات منصبة فوقيا كالشلال من أطراف متنفذة لا يرد لها قرار، ومثلما تأتي في غالبها الأعم كمحاولة إنقاذية بهدف الخروج من وحل الإفلاس الأدائي البرلماني، فإنها أيضا تأتي كمحاولة إنقاذ عطوفة من الجهة السلطوية المنتجة والموجهة لتلك العناصر البرلمانية عديمة الجدوى سياسيا واقتصاديا واجتماعيا على أمل تحقيق شيئا من الصقل والتلميع والتدميع والإلهاء المثير المؤقت أمام الملأ المترقب بلهفة لأي أثر واقعي للتجربة الإصلاحية على وضعه السياسي والاقتصادي والمعيشي !
وإن كان لــ «أهل الشرع» و»أهل الوعظ» في المرحلة البرلمانية المنصرفة دور كبير ومثير في توليد تلك الأسئلة واستزراعها حول الظواهر القيمية والاجتماعية التاريخية غير المستجدة، فقد كان لــ «أهل الوجد» و»أهل القريحة» أبرز الأثر في ذلك مع بواكير المرحلة البرلمانية الحالية، فلعبوا دورا مباغتا في العودة إلى مربع الإفلاس البرلماني المبكر لطرح المزيد من أسئلة الاسترجال السياسي النيابي التي تحمل كثيرا من التلقي والابتذال بدلا من الإبداع والارتجال، إذ يكون كثير ما يتناوله الإخوة النواب من مطلقي مثل تلك الأسئلة في اللحظات الحرجة سياسيا ليس سوى نتاج لاستيراد ما تفرزه وتنتجه الصحافة المحلية من تحقيقات وملفات قد يتسبب في النهاية بتوريط الجانبين من نواب الاسترجال السياسي والصحافة في أمور وتداعيات لم يكن لها من داعي.
وما نود أن نصل إليه من تناولنا لموضوع هذه الأسئلة المثيرة وخلفياتها وبواعثها نيابيا هو أن يكون من الأولى للنواب أن ينشغلوا بالتعرف على الجوانب الأولية من سبل ممارستهم لأدائهم البرلماني بكل ما يحفل به من تقييدات وتعقيدات دستورية ولوائحية لا بد وان يدفع ثمنها غاليا في نهاية كل مرحلة برلمانية مع اقتراب المواسم الانتخابية سواء أكان هذا الدفع بالتنحي والاعتزال الشهم أو بدفع خسيس للمزيد من الرشاوى وهدايا شراء الضمائر.
وحتى يتوصل النائب إلى السبيل الأمثل لممارسة أدائه البرلماني بمنتهى الواقعية ينبغي عليه أن يعرف جيدا ترتيب أولويات المواطنين وتحديد الخيارات والنأي عن ملاعب ومضارب التبعية العمياء قدر الإمكان، والعودة إلى الشارع وهمومه وقضاياه بدلا من تسديد الضرائب للداعم والمنتج ولو على حساب كافة القيم والأخلاق الإنسانية!
كما على نائبنا المحترم ألا يضيع وقته ويمارس إلهاء عقيما وموجها مع قضايا اجتماعية تاريخية جدلية ترتبط بعوامل سوسيولجية وفسيولوجية بالغة التشابك والتضافر من الأولى أن يترك حلها ومعالجتها إلى الباحثون والمتخصصون وإن وجدها ماثلة في محيطه وفضاءاته الأقرب!
فلا يختصر جل جهده البرلماني في تعميم وتهذيب الشواذ، و»تأنيث» النساء وإنقاذ ما تبقى من رجولة لبعض الصبيان والفتيان، فيكون مثله كمثل بعض المحسوبين على التيارات»الإسلامية» السياسية، والذين ما برحوا إلا والانتعاش بملاحقة ومطاردة «البناتية» و»البويات» من زاوية إلى أخرى عوضا عن التقدم بمشاريع حقيقية لمحاربة المورد الأصل وقطع دابر الجذر الشيطاني لقضايا أخرى أكثر أهمية، ووضع الحلول والتصورات الجذرية لمحاربة الفساد المالي والإداري وحلحلة الأزمات الرئيسية الكبرى أكانت بنيوية أم طارئة!
إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"العدد 1637 - الأربعاء 28 فبراير 2007م الموافق 10 صفر 1428هـ