لقد كانت خيمة منيرة فخرو خلال فترة الانتخابات التي جرت في نهاية السنة الماضية (2006) تعج بخليط عجيب غريب من مختلف فئات المجتمع البحريني، وكانت منيرة تجلس في أوساط الجمهور بكل تواضع متشحة بعباءتها البحرينية، وملتزمة بالتواصل مع الجميع في مشهد غير مسبوق على صعيد العمل السياسي لأية امرأة أخرى في البحرين.

منيرة كانت حديث الساعة، وأنشطة خيمتها كانت محورا لكثير من النقاشات بين الفرقاء السياسيين، حتى بين عدد كبير من الشخصيات المجتمعية التي لا تقع ضمن دائرتها الانتخابية، وأحسب أن منيرة فخرو هي أشهر ممن لم يصلن إلى المجلس النيابي في الانتخابات الأخيرة من النساء البحرينيات المترشحات لها على الإطلاق، على رغم وجود الكثير من أسماء اللواتي يستحقنّ الإشادة.

حين تتحدث منيرة فخرو، يصعب عليك أن تجد في حديثها تكلفا، ويصعب عليك أن تلاحظ عليها أي نوع من التمايز الاجتماعي أو التباهي، فهي ابنة البحرين التي وقفت دائما مدافعة عن حق الشعب في نيل حقوقه واستعادة الحياة النيابية التي أوقفت قسرا في أغسطس/ آب العام 1975.فحين تنادى عدد من أبناء البحرين لتوقيع عريضة النخبة المطالبة بعودة الحياة البرلمانية في مطلع التسعينات، كانت منيرة من النساء القلائل اللاتي بادرن إلى تصدر قوائم الموقعين على تلك العريضة، وعندما حان دور العريضة الشعبية، نقشت منيرة فخرو اسمها في صدر الصفحات الأولى لتقول للجميع إنها من أشد المطالبين باستعادة الحقوق.

منيرة فخرو كانت ولاتزال ابنة خير ونعمة، هذا علاوة على المكانة الاجتماعية العالية التي تتبوأها، فهي الأستاذة الجامعية والعضو النشط في أكثر من مؤسسة محلية وعالمية على الصعيد الأكاديمي والاجتماعي والسياسي والمهني، ولكنها على رغم ذلك كانت على استعداد للتضحية بكل ما لديها من مكانة من أجل أن تطالب بحقوق الناس؛ لأنها آمنت بهم وبحقوقهم مواطنين.

يعتقد كثيرون - وأنا من بينهم - أن منيرة فخرو قد دفعت ثمنا باهظا لمواقفها المتقدمة، تلك المواقف التي دافعت فيها عن الفقراء والمحرومين والمعتقلين السياسيين، والمبعدين عن الأوطان، حتى أولئك الذين لم يكونوا يجدون مأوى لهم أو وظيفة تعيلهم وتكفي لسد رمقهم؛ لذلك لم يكن مقبولا لدى البعض أن تصل هذه المرأة إلى المجلس النيابي.

لقد فعلوا من أجل ذلك كل ما هو جائز وممكن، ولست أبالغ في القول إن القرار كان الحيلولة دون فوز منيرة فخرو بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة، وإذا كان التقرير الرقابي الذي أصدرته جمعيتا الشفافية وحقوق الإنسان لم ينتصر لحالات مثل حالة منيرة فخرو، فإن هناك خللا ما في موقع ما لم يتم الانتباه إليه. إنني على يقين أن القائمين على التقرير وتحديدا رئيسي الجمعيتين جاسم العجمي وسبيكة النجار، يتمتعان بنزاهة شديدة، وأن أحدا لا يستطيع التشكيك في حبهما للوطن ولإظهار الحقيقة كما هي، ولكن من المؤكد أن هناك الكثير من المعلومات والبيانات التي تمت الحيلولة بينهم وبين الوصول إليها.

لقد كان الجميع يعرف أن معركة الانتخابات في عدد من الدوائر الانتخابية التي ترشح فيها مترشحون من الوزن الثقيل للمعارضة، ستكون ذات طبيعة شرسة، أو كما يقولون معركة كسر عظم، لكن أحدا لم يكن يتخيل أن تُستبعد منيرة من المنافسة على الجولة الثانية من الانتخابات على أقل تقدير. ومع احترامنا للقضاء الذي رفض الطعن الذي تقدمت به منيرة فخرو، ومع تقديرنا للتقرير الصادر عن «الشفافية» و «حقوق الإنسان»، فإننا من المؤمنين بالقول المصري: «قلب المؤمن دليله» كما أننا من المؤيدين لكلام مظفر النواب الذي كان يقول: «اعتمدوا القلب... فالقلب يعرف مهما الرياح الدنيئة سيئة جارفة»، كما أننا من أولئك الذين يقولون: إن منيرة فخرو قد كسبت الرهان واحتفظت بحب الناس، حتى لو لم تكن قد كسبت الانتخابات لسبب أو آخر.

لقد نالت منيرة فخرو حبا وإجماعا من كل طوائف وفئات وأفراد شعب البحرين قل أن يجتمعا لرجل، فكيف بهما وهما يجتمعان لامرأة في زمن يطالب فيه كثيرون بأن تلزم المرأة بيتها! ولكنها منيرة التي أحبت الناس البسطاء وعاشت معهم من دون تكلف، ودافعت عنهم من دون ترفع، فبادلوها حبا بحب وعطاء بعطاء. لقد آن الأوان لتقوم الجمعيات السياسية التي تمتلك عناصر محبوبة وشعبية من نوع منيرة فخرو، بتوظيفها من أجل المساهمة في تعزيز روح المحبة والألفة بين أبناء الشعب الواحد، ومن أجل تفويت الفرصة على أولئك الحاقدين الذين يريدون ضرب اسفين بين أبناء الشعب الواحد.

لقد عانت بلادنا ولاتزال تعاني من مروجي الفتن الطائفية الذين يسعون جاهدين لاستغلال أي حدث أو توتر أو احتقان يحصل في أية دولة أخرى، واستيراده معلبا من أجل تسويقه على المجتمع البحريني؛ حتى ينفرط عقد الوحدة الوطنية؛وتزداد الهوة بيننا بحرينيين عبر تعميق التخندق الطائفي.

أعرف أن مجاميع كثيرة من أبناء وبنات البحرين يكنّون لمنيرة فخرو كل الحب والتقدير، وأعرف أن هذه المحبة الصادقة قد استحقتها منيرة عن جدارة واقتدار، ولكنني أطالبها اليوم بأن توظف هذه المحبة من أجل مساعدة الوطن على تخطي المحنة التي يريد البعض أن يدخلنا فيها.

صحيح أن هناك الكثير من الشخصيات الوطنية البحرينية التي تتمتع بقبول جماهيري واسع، وهي تُوجد يوميا بين الناس وتساهم في رأب الصدع، ورتق الفتق الذي يسعى البعض لشقه ولتوسيعه ليكون مدخلا للفتنة والاقتتال الداخلي بطرق شتى، ولكنني واثق بأن منيرة فخرو واحدة من أولئك القلائل الذين يستطيعون من خلال الكاريزما التي يتمتعون بها التأثير على الناس والمساهمة في اقتلاع بذور الفتنة وجذورها.

قديما قال العرب حكمة: «إذا قالت حذامي فصدقوها، فإن القول ما قالت حذامي»، وأنا أعتقد بأن منيرة فخرو... اليوم تستحق أن تكون «حذامي البحرين»، وأن على الجميع أن يصدق بأن قلبها الكبير قادر على استيعاب وتوزيع الكثير من المحبة والصدقية لكل من يستحق في هذه البلاد. فإذا قالت «حذامي البحرين» إن هناك من تعمد الحيلولة دون وصولها إلى مقعد المجلس النيابي... فيجب علينا أن نصدقها، حتى إن قالت كل التقارير غير ذلك، مع الاحترام لمن صاغ وأصدر هذه التقارير.

ولكننا نريد من منيرة فخرو ألا تركن إلى تلك النتيجة التي حرمتنا من صولاتها وجولاتها تحت قبة البرلمان، فلقد اختارها شعب البحرين لتكون أحد أهم من يتحدثون باسمه منذ زمن بعيد، وكانت وفية لحمل تلك الأمانة، ثم جُدد اختيارها عبر الالتفاف الجماهيري الكبير داخل مخيمها الانتخابي؛ لذلك نريدها أن تحضر في كل المواقع، لتقول الحقيقة وتدافع عن الحق.

نريد من «حذامي البحرين» أن تواصل السير في هذا الطريق، مدافعة عن حق الناس في الاختيار والتمثيل البرلماني المنصف والعادل الذي يعتمد على توزيع غير جائر للدوائر الانتخابية.