العدد 1636 - الثلثاء 27 فبراير 2007م الموافق 09 صفر 1428هـ

العولمة وجيل العنف

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل أسبوعين وفي طريق العودة من العمل مساء، كان هناك نحو أربعين متجمهرا من الجنسين عند دوار أبوصيبع. وكان ملفتا للنظر أن غالبيتهم لا يتجاوز عمرهم العشرين، وكانوا يحملون صورا لشاب، خمّنت أنه من المعتقلين الجدد. اتصلت بقسم المحليات، فربما يهمهم تغطيته كخبر، وتم إرسال مصوّر.

في اليوم التالي لم يُنشر الخبر، مع أنه تطوّر إلى مواجهاتٍ مع رجال الأمن، استخدمت فيها القنابل المسيلة للدموع، وقد رأت الصحيفة المصلحة في عدم النشر، تمهيدا لاحتواء الموقف المحتقن، ولكن مع استمرار المصادمات في الليالي التالية اضطرت إلى النشر.

في الليلة الثانية، تكرّر المشهد المحتقن نفسه، مع تراجع عدد المعتصمين، وزيادة سيارات الأمن (8 سيارات شاهدتها بعيني). في الليلة الثالثة، كان من السهل أن ترى من مبنى الصحيفة أكثر من 14 سيارة شرطة وهي تمرق بسرعة شرقا باتجاه أبوصيبع. بعدها تمّ إغلاق شارع البديع، فكان عليّ الدخول من جهة جنوسان إلى شارع النخيل الداخلي للخروج من جهة كرانة، وطريق العودة الذي لا يحتاج إلى أكثر من 10 دقائق، استغرق 45 دقيقة، وتبيّن أن حوادث العنف المؤسفة امتدت إلى منطقتي السنابس والديه.

ومع أنك تعيش في وسطٍ تصب فيه الأخبار من كل جانب، إلاّ أنك تجد نفسك أحيانا لا تستوعب بعض ما يجري. الحوادث أحيانا تسبقك وتتجاوزك، وما جرى في أبوصيبع هو من هذا النوع. فمن السهل أن تستوعب وجود اعتصام سلمي لأسرٍ اعتقل أبناؤها، أو مظاهرة لهذا الهدف السياسي أو ذاك، ولكن تحوّلها بصورةٍ دراماتيكيةٍ إلى أعمال عنفٍ ومصادماتٍ حادةٍ ثلاث ليالٍ... فهذا يحتاج إلى فهم.

في حفل تكريمٍ أقيم لأحد الزملاء قبل فترة، سألت أستاذ علم الاجتماع باقر النجار عن بعض الظواهر الاجتماعية التي يستعصي على الصحافيين أحيانا تفسيرها، وهو ما يمكن أن يشرحه لنا أساتذة وخرّيجو قسم الاجتماع، فأشار إلى ما يواجهه الخريجون من مصاعب حياتية واهتمام بتأمين المستقبل (وهو حقهم) فيكون ذلك على حساب البحث الاجتماعي. وفي المقابل، عدم امتلاك الصحافي الأدوات المعرفية الكاملة لتفسير مثل تلك الظواهر الاجتماعية المعقّدة.

هذا هو الجو العام الذي يجب الاعتراف به بتواضع، وهو من شأنه الإبقاء على الإشكال نفسه: أن تقف حائرا أمام ما يجري ولا تجد له تفسيرا. فأنت أمام جيلٍ جديدٍ صغير السن، تعيش بعيدا عن تطلّعاته وأفكاره. جيلٌ لا يتلقى تعاليمه من تحت منبر المسجد أو المأتم. جيلٌ لا يتربّى في أحضان الأسرة أو يتعبّد بأوامر الوالدين. جيلٌ تعجز المدرسة عن تعليمه فضلا عن تربيته. جيلٌ تتشكّل عقليته من الفضاء: شبكة إنترنت عنكبوتية، وفضائيات تتسابق على تقديم وجبات العنف والجنس والإثارة اليومية. حتى أغانيه أغانٍ صاخبةٌ عارمةٌ عنيفةٌ، فلماذا تستغربون ما ينشر عن «المتصابيات» (البويات)، أو انتشار عصابات السرقة أو ارتفاع معدلات الجرائم الأخلاقية؟

إننا أمام أول جيلٍ ولدته «العولمة» في بلادنا، ولكيلا نخدع أنفسنا، يجب القول إن الأمر ليس خاصا بالقرى والضواحي، فالشباب الذي تلقاه في أسواق المنامة أو مدينة حمد أو سوق القيصرية بالمحرق... متشابهٌ حتى في قصّة الشعر.

هذا هو الجيل الجديد، الذي لا يستمع لخطيبٍ حتى نتهم الخطباء بالتقصير في توجيهه؛ ولا يقرأ أعمدتنا حتى تطالب الداخلية كتابنا بنصحه؛ ولا يشارك الجمعيات السياسية في تطلعاتها وفعالياتها حتى نتّهمها بالتحريض. جيلٌ شبّ على الطوق، وأخشى أن يكون الوقت قد تأخّر على إرجاعه إلى القمقم، مع تباطؤ وتيرة الإصلاح السياسي، وانسداد أفق المستقبل، وتوسّع دائرة التجنيس وتداعياته الخطيرة على المجتمع، وانكشاف أمر التقارير السرّية التي هزّت الوجدان الوطني وأطاحت بأمنه وباستقراره النفسي من الجذور.

قبل أن تنصبوا المشانق وتعدّوا السيوف لقطع رقاب الجيل الجديد، حاولوا أن تفهموا... فالعنف الذي يتنفّس في فضاء السياسة على أطراف القرى المحرومة... يتنفّس عنفا آخرَ في ملاعب الكرة وسباق السيارات المنفلتة في شارع بوكوّارة وبر الصخير.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1636 - الثلثاء 27 فبراير 2007م الموافق 09 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً