عندما نتحدث مع الأهل أو الأصدقاء في المجالس عن رؤية أولية لانتخابات 2010، يبدأ الكلام بـ «الله يستر»، و «ما في فايدة الحكومة ما بترضى» و «لا تضيعون فلوسكم، صرفوها على تعليم عيالكم أحسن».
مثل هذه التعبيرات تعكس شعورا عميقا من عدم الثقة بالحكومة وإحباطا وانسحابا من ممارسة حرية النقد والتعبير. ولتحقيق أو محاولة تحقيق جزء من التقدم في تمثيل الناس في البحرين ولتغيير وجهة نظر غالبيتهم في أنه لا فائدة من خوض انتخابات 2010، يجب أن تهيأ الأرضية لاسترجاع جزء من هذه الثقة عبر تغيير حقيقي لمفردات الواقع الانتخابي وأهمها تشريع قانون للانتخاب عصري ومتقدم. ولعل هذه مسئولية الجمعيات السياسية الرائدة ونشطاء حقوق الإنسان وممثلي الشعب الغيورين داخل المجلس.
إن وضعية الثقة والتعاون المرغوبين تتطلب إخراج حيثيات العملية الانتخابية من أيدي موظفي الحكومة، وتسليمها ممثلي الشعب وهذا لن يتحقق الا بإصدار قانون جديد للانتخابات من قبل المجلس الوطني. قانون يلغي مساوئ المرسومين بقانون رقمي (14) و (15) لسنة 2002 وتعديلاتهما اللذين ينظمان حاليا عملية الانتخابات... قانون نزيه يحترمه الناس ويشرف على تطبيقه الناس... أوليست الديمقراطية حكم الشعب للشعب بواسطة الشعب.
القانون ينبغي أن يحدد حيثيات كثيرة وبآليات جماهيرية ضامنة لأفضل الممارسات الانتخابية.
حيثيات من قبيل من سيدير عملية الانتخابات، ليس الحكومة أو لجانها الرسمية طبعا، خصوصا ونحن في مرحلة التحول الديمقراطي، بل هيئة مستقلة ودائمة من المواطنين المخلصين ذوي الخبرة والنزاهة والنفع للناس، على أن يوفر للهيئة إمكانات وموازنات مالية تقر من قبل المجلس الوطني لضمان الأداء المستقل. الهيئة العليا هذه بعد تشكيلها وبالكيفية التي يتوافق عليها جميع الشركاء، عليها أن تبحث في جميع المسائل مثل تقسيم الدوائر ومراجعة أسسها ومعاييرها وآلياتها وفق الواقع والكثافة السكانية وأفضل الممارسات والتجارب الناجحة. الهيئة عليها التفكير في نظام الانتخاب الأفضل لتحقيق الوئام الاجتماعي وتمثيل الأقليات السياسية المهمشة كالمرأة والأحزاب الصغيرة.
وإذ إن التقسيم الانتخابي هو في قلب العملية الديمقراطية، فعلى القانون التركيز عليه والاهتمام بعدالته كما ينصح خبراء الانتخابات. فقد وضع هؤلاء عددا من المبادئ في هذا الشأن أهمها الصفة التمثيلية والمساواة بين عدد الناخبين والمعاملة بالمثل وحيادية السلطة المسئولة عن تحديد الدوائر الانتخابية.
التمثيلية بمعنى أنه يجب أن تعكس حدود الدوائر وحدة مصالح المجتمعات المحلية، بحيث يتمكن الناخبون ضمن حدود الدائرة من انتخاب المرشح الذي يمثلهم حقا، لا أن يفتتوا بين دوائر عدة يصبحون فيها أقليات غير قادرين على إيصال ممثل لهم في الهيئة التشريعية، وأما المساواة بين عدد الناخبين فتعني أن التقسيم الانتخابي يضمن المساواة بين الدوائر من حيث عدد السكان، ويكون لأصوات الناخبين ثقل متساوٍ في أية دائرة كانوا... أما في البحرين وكما في انتخابات 2002 فقد تفاوتت القوة التصويتية للناخبين بين الدوائر في انتخابات 2006 بشكل فاقع.
الدائرة الأصغر كانت الدائرة الخامسة في المحافظة الجنوبية، بعدد من الناخبين بلغ (1175) ناخبا يختارون مرشحا واحدا، مقابل (15449) ناخبا في الدائرة الأولى في المحافظة الشمالية يختارون مرشحا واحدا. بمعنى أن صوت الناخب في الدائرة الخامسة في المحافظة الجنوبية يعادل 13.15 صوتا في الدائرة الأولى في المحافظة الشمالية، وفي ذلك إخلال فاضح بمبدأ المساواة المنصوص عليه في الدستور كما ورد في تقرير لجنة مراقبة الانتخابات.
على القانون أيضا أن يحدد كيفية إصدار القوائم الانتخابية والمعلومات المهمة المدونة فيه، سواء في المتن أو عبر مذكرات تفسيرية ملحقة وأن يحدد آليات المراقبة وجهات المراقبة وحقوقها وواجباتها وآليات التعاون معها وأن يضمن أمورا مثل نزاهة تسجيل أصوات ذوي الاحتياجات الخاصة التي سمعنا قصصا مؤسفة بشأنها في الانتخابات السابقة كرست تزويرا بغيضا لإرادة بعض الناخبين.
قانوننا الانتخابي يجب أن يشجع على توعية الناخبين وإعطائهم المعلومات أولا بأول وأن يرصد ويعاقب ويجرم الانتهاكات مثل عمليات شراء الأصوات ودعم خطباء المساجد لمرشحين دون غيرهم أو التشهير والسب والقذف في أعراض وشخوص المنافسين أو معتقداتهم وعقيدتهم، وأن ينظم موازنات الحملات ومصادرها ويخضعها للتدقيق.
كل تلك التفصيليات السابقة وغيرها مع إلغاء المراكز العامة ستساهم حتما في تعزيز ثقة الرأي العام وإقبال المواطنين في العام 2010 «والله يحيينا وياكم، قولوا آمين».
إقرأ أيضا لـ "فريدة غلام إسماعيل"العدد 1636 - الثلثاء 27 فبراير 2007م الموافق 09 صفر 1428هـ