يعالج أوزوالدو دي ريفيرو في هذا الكتاب - بشيء من العمق المشوب بالسخرية - مسألة قروض البنك الدولي والمنظمات الدولية المشابهة والشروط القاسية التي تضعها، والتي تجعل من حياة ومخططات الغالبية الساحقة من سكان الأرض في غاية السوء. ووفقا لتشبيهات دي ريفيرو الساخرة، إن المشروعات الإنمائية، السارية المفعول حاليا، تجعل الناس يهرعون وراء الرغيف وهو يركض أمامهم.
هذه الحال التي يحذر منها دي ريفيرو، والتي كانت محصلتها أن 3 مليارات إنسان يعيشون على ما معدله دولاران أو 3 دولارات في اليوم، وأكثر من مليار آخر منهم يعيشون في فقر مدقع، غير قادرين على إطعام أنفسهم، ويعيشون بأقل من دولار واحد في اليوم، أوصلتنا إليها نظريات التطور والتنمية التي عهدناها، هي التي تدفعه إلى المناداة بوقف أكذوبة إيهام الناس بالرفاهية، والعمل بالسرعة القصوى على برامج هدفها «بقاء الأمم» وحفظ الشعوب من الموت والاندثار. فالغذاء والماء والطاقة بدأت تصبح نادرة ومكلفة بحسب عدة دراسات أميركية يأتي الكتاب على معالجتها بشيء من التفصيل والتوثيق.
ويسلط دي ريفيرو الضوء - بنظرة تحليلية متوقدة - على الهجرة العالمية التي لم يسبق لها مثيل من الأرياف إلى المدن. وخطورة الأمر - كما يراها - أن تترافق هذه الهجرة مع انخفاض الاحتياط العالمي من الحبوب، وازدياد الطلب على المواد الغذائية بنسبة 3 في المئة تقريبا، واستنزاف متنامٍ غير مسبوق وغير مبرر للبحار ولثرواتها.
ويعطي الكاتب أهمية خاصة للدول المتخلفة التي - من وجهة نظره - بدأت تفقد سيادتها منذ اضطرارها إلى الانصياع لشروط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية؛ خشية أن تفقد حضورها أو عضويتها - إن جاز لنا القول - في المنظومة الدولية.
هذا الأمر جعل الدول المتخلفة تجد نفسها اليوم في وضع لا تُحسد عليه، فالدول الصناعية كانت لا تضع حدودا لانتقال التكنولوجيا أثناء الثورة الصناعية؛ ما مهد لتقليد الاختراعات في كل الدول، أما اليوم فإنه من الصعب جدا الحصول على التكنولوجيا مع وجود قوانين حماية حقوق الملكية الفكرية.
أما الكلام عن عولمة ستجعل الأرض بلدا واحدا متشابهَ الملامح، فهذا أمر مستبعد بنظر الكاتب؛ إذ إن النتائج أثبتت أن الهمجية والبربرية والفكر البدائي القبلي كلها أمور تستطيع أن تتعايش مع استخدام الحاسوب بحده الأدنى والتفرج على التلفزيون ولبس الأزياء العالمية وأكل الهمبرغر وشرب الكوكاكولا.
يفرد الكاتب حيزا لا بأس به من الكتاب لموضوع العولمة. ويعتقد أن توازن الرعب بين القوتين النوويتين العظميين أثناء الحرب الباردة قد أعطى الشركات الرأسمالية فرصة التوسع على حساب معظم دول العالم حتى الخاضعة منها إلى النفوذ السوفياتي. إذ ارتفع عدد الشركات متعددة الجنسيات من 7 آلاف في العام 1960 إلى 37 ألفا مع نهاية العام 1989. ومع انتهاء الحرب الباردة تحولت هذه الشركات إلى مؤسسات عملاقة تملك القدرة على التحكم في الاقتصاد العالمي خارج نطاق الدول التي تدار على أراضيها، بل أصبحت الدول الكبرى نفسها عاجزة عن الوقوف في وجهها، وخصوصا مع تمكن المضاربين من التحرك عبر أجهزة الحواسيب والاتصالات البعدية من أي مكان في العالم؛ ما قد يؤدي إلى انهيار عملات بعض الدول وما يتبع ذلك من إفلاسات هائلة وتضخم في الأسعار وطرد ملايين العمال من وظائفهم.
ويحذر الكاتب - مستندا إلى التنبؤات الموثق بها - من تزايد عدد سكان العالم الذي سيصل في العام 2020 إلى 8 مليارات نسمة، توجد 6.6 مليارات نسمة منهم في العالم المتخلف، حيث يعيش 3 مليارات - كما ذكرنا أعلاه - تحت خط الفقر إضافة إلى 840 مليون جائع ومئات الملايين من العاطلين عن العمل.
هذه الصورة البانورامية الأفقية على الصعيد العالمي، والتي رسمها دي ريفيرو منطلقا من خبرته الدبلوماسية التي امتدت لأكثر من عقدين سفيرا لبلاده في «الأمم المتحدة»، ثم منظمة التجارة العالمية، ورئيسا لمجموعة البلدان الـ 77؛ ما يضفي على شهادته أهمية تستحق المتابعة، تزداد سوادا وتشاؤما عندما ننتقل بها إلى المستوى العمودي لتشخيص حال كل بلد على انفراد. وليس العراق سوى أحد البلدان، والذي يعطي مثالا صارخا لما تحدث عنه دي ريفيرو.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1636 - الثلثاء 27 فبراير 2007م الموافق 09 صفر 1428هـ