ها هو اليوم الجديد يبدأ والسماء هي السماء، وما تحتها من مبرات الرب يملأنا طقوسا عشقية، تدهلز أوعية النبض، لتغور في مضائقها صلواتنا، فيضا من غيض، شكرا وحمدا.
من ذاك الزمان المرهق، جلت عظمته في اسداء الحب الإلهي، على عظامي الخائرة القوى، بلاء لم أكن أعي حجمه، ولا أستطيع كنهه، فبدوت كمغفلة تجتاح بعينيها الواسعتين دهشة الالم المبرح، وتتعاطى نخر قرصاته الشائكة، ببلاء حسن، حيث عقدت والصبر صداقة، وصاحبت أيوب في طرقات الفكر في حكمة الله لكني لم أتنبأ ولم يصاحب الدود جراحي، ولم ترتع انفاسي على استنشاق مزبلة لبنى إسرائيل تختلف الدواب في جسدي، حيث النبذ يشل بقايا الأنفاس، ولم يكن ألمي ضراوة بحيث عافني الجليس، لكني حلمت ومازلت احلم أن أتلقى كلمات من ربي (اركض برجلك، هذا مغتسل بارد وشراب) انها الأمنية مهما كانت عظمتها . لا أقر بأني أوابة، لكني كنت محتسبة عند الله مساء وصباح.
برحت اليقظة على أمل، لعلي أجد ما ضاع من لآلىء الصحة، التي تناثرت على ندوب الليل الشحيح بالراحة المليء بالاحلام، ففزعة الوقت الذي يتطاول على الجدران الخضراء في غرفتي، قد رسم جولات أحلامي بغباره عليها، حتى غدت أشباحها تدندن مع حفيف الشجر المعتق, في خريف مات على شفاة الزمن المتشققة، ولم يعد يعول على أزهار النوار الحمراء وهي تفتح رماناتها اليانعة، فالضباب قد أغرق العوسج الأخضر، وملأ الأفق شيبا، فلم يعد هناك.
غير درب طويل معتم يسرق الضوء خفية، بلا مدد ولا ضجة، حيث كل شيء في عزلة تموء من خلالها الريح المريضة، والجدب يمحق أقمار السماء خلف الغيوم، لأ لا تسامر الوجع في مفاصل الحلم أو تحابي الخوف في غسق النفس الضائعة.
يمر العمر مرور الفصول ويقف خافقا عند الخريف طويلا، كما تخفق بأجنحتها العصافير الحائرة، حينما تتكسر أضلعها الصغيرة بوهن الرحيل، فتتراقص النبضات مختلجة بالذكرى المريرة بتكسرات الورق الممحلة بالوجد الجميل المتخاذل تحت وطئة السأم، فقد مكث سنين في عروقي القانية بوخزات مهتلعة وأفكار متذبذبة، اعتدتها. مضيت بعيدا وسرت لا اعرف إلى أين، قلبي يرتجف بالخوف والدهشة، وأطرافي ترتعش من الشوق إلى اللقاء ليس لقاء حبيب، ولكنه لقاء من نوع اسمى انه لقاء الروح الذي ضيعته الأيام، في انتظار الأحلام وكأن الزمن، يرجع بي إلى الوراء لامنح فرصة جديدة لحياة أفضل تتنسم بعض السعادة، أخذت التمس الأشياء حولي، لدرجة اني لا أدرك أن كنت في الواقع أم في دهاليز الخيال، لكن للأسف فقد لمست يدي أطراف السرير مما ايقظ الحلم على الواقع المرير، ولم تكن تلك الالتماسات الا غفلة قيلولة جرفتني إلى بساتين الوهم الموحلة فصحوت وبخطى بطيئة، ارتديت ملابسي وبداخلي من الانكسار الكثير سرت نحو المرآة لارى شبح امرأة عضها الدهر بناب الألم لحد الألم، ملامح وجهي المتعبة قد كساها التعب والحزن لكن دأبي ألوذ بالصبر الجميل، الذي أصبح قوت يومي منذ ولدت، جاهدت نفسي كالعادة وخرجت من حجرتي الباردة أو هكذا تخال لي حتى في عز الصيف، لاواجه الأيام وأناضل في سبيل البقاء على فتافيت الأمل الذي بدا وكأنه يسخر مني هو الآخر لطول تمسكي به...
ليبادرني سؤال... متى سأجد السعادة لقد تشابكت خيوط الألم فلم اعد ارى غير كومة لا تتناهى من الصبر، استظلت به نفسي طوع لهذا السمو الفائض من الكبرياء الذي لا أراه الا ترجمة ضعيفة تستكين إليها، وتستعين بها على ما رافقها من حيرة أمام مشكلات الحياة.
العدد 1634 - الأحد 25 فبراير 2007م الموافق 07 صفر 1428هـ