العدد 1634 - الأحد 25 فبراير 2007م الموافق 07 صفر 1428هـ

جبناء يدمون القلوب

الشيخ محمد الصفار mohd.alsaffar [at] alwasatnews.com

حتى هذه اللحظة بين يدي أكثر من سبع عشرة رسالة وصلتني عبر الإيميل بعد مقالي الذي نشر الأسبوع الماضي بعنوان «لماذا يسقطن في الفخ؟»، وكانت من سيدات يكتبن عن معاناتهن بمرارة، إحداهن ضربها زوجها حتى نقلت للمركز الصحي (القريب من سكنها) في حال إسعافية، ثمّ اضطر الأطباء في المركز إلى نقلها لأحد المستشفيات لتمكث فيه خمسة أيام بسبب إصاباتها البليغة، والأخرى أسال دمها بعد أن ضربها وجميع أولادها الأربعة، من بنين وبنات أكبرهم في العاشرة من العمر بحذائه إمعانا في الإهانة والذل، ولو كان المجال يتسع لقرّحت قلوب القراء ببعض التفاصيل المبكية التي قرأتها عن أحوال هؤلاء النسوة وعن الممارسات اللا إنسانية التي يمارسها بحقهن الأزواج، من طرد وسجن وتجويع، إلى آخر القائمة.

جبناء هؤلاء الرجال الذين يبرزون عضلاتهم على نسوة لا حول لهن ولا قوة، ويستخدمون معهن عنفا مشينا وغير مبرر، وهم يعلمون أنهن لا يستطعن الرد.

ضعفاء هؤلاء الرجال لأنهم لا يجرؤون على ممارسة مثل هذا السلوك مع أندادهم من الرجال، لأن الرجل المقابل قد يرد الصاع صاعين، ولذلك يحسبون ألف حساب في تعاطيهم مع الرجال الآخرين مهما كانت شدة الخلاف وتأزم الأمور بينهم.

جبناء نحن الرجال حينما تكون وسيلتنا في التفاهم مع عوائلنا التي يجب أن نرعاها ونحافظ عليها ونتقاسم معها الهموم الحاضرة، ونُحضِّرها لتحمل مسئولياتها الحياتية المستقبلية هي الضرب والاهانة.

جبانة هذه الشوارب التي تحاول أن تنفّس احتقاناتها في احتكاكاتها مع الرجال في العمل والشارع، في زوجة مسكينة، تحرق زهرة أيامها وشبابها وهي تربي أولادنا وبناتنا، وتهيئ المناخ المناسب لراحتنا، وكل مناها كلمة جميلة تتسلل إلى مسامعها من رجل العائلة القوي المهاب الركن.

مخطئون نحن حين نعوض فشلنا في أعمالنا الحياتية (عموما) بنوع من الرجولة الموهومة في أجوائنا الأسرية، محاولين إثبات وجود جبروتي ودكتاتوري في العائلة، بينما حقيقة وجودنا مهزومة وضعيفة ومهتزة في الخارج.

جبناء وخادعة شهاداتنا وإن كنّا أطباء أو مهندسين أو معلمين أو طلبة علوم دينية، ومهما كانت نجاحاتنا خارج الأسرة، إذا اعتقدنا أن النجاح أسريّا مع زوجاتنا وأهلينا لا يتحقق إلا بالأساليب الوضيعة والمحتقرة، حينها ستكون علومنا وشهاداتنا منتمية إلى عالم الرقي والتقدم، وسلوكنا قزم وصغير ولصيق بعالم الجهل والتخلف.

حتى وقت قريب كانت بعض مناطق السودان تعامل من يُسمع عنه أنه يضرب زوجته باستخفاف واستهانة، فلا يحترم ولا يقدر، ولا يعامل معاملة الرجال، لأنهم يعتبرونه غير ذلك، بسبب اختراقه لقانون وعرف اجتماعي، وهو ضربه للمرأة، وإن كانت هذه المرأة زوجة له.

الأجداد والرجال من آبائنا ينقلون لنا كيف أن والد الرجل يعنّف ابنه إذا تطاولت يده على زوجته، ويتدخل بقوة ضد الضرب، وفرض السيطرة باليد، لأن ذلك عيب وعار على الرجل وعلى العائلة المؤتمنة على هذه المرأة.

نعم تلزم الإشارة إلى أن غالبية الزيجات في مجتمعاتنا لم تؤسَّس على تفاهمات حقيقية وواقعية، ولم تبنَ على ضوء منهج صحيح وسليم، بل استنزفت فترة العقد والخطوبة (التي يقول عنها أبناء هذا الجيل أنها للتعارف وتقارب الأفكار والتصورات بين الزوجين) في مطاعم البيتزا ومحلات الآيس كريم، وأحاديث المجاملات والأوهام.

لذلك ما أن يتحرك التاريخ، وتتحول هذه الحياة إلى احتكاك يومي ومسئوليات متزاحمة، وأخطاء متبادلة حين ينتقل الزوجان من فسحة العقد إلى ساعة الزفاف التي تفرض عليهما العيش في منزل واحد وتجعلهما أمام مسئوليات مشتركة، حتى تتبين الأسس الهشة التي بنى الطرفان عليها حياتهما الزوجية، وكيفية إدارة أمورهما، وطرق حل الخلافات وفض الاشتباكات، وعلاج المنازعات.

وحين يصدم الطرفان بأن لا مرجعية في البين يمكن الاتكال والتعويل عليها يبدأ كل واحد منهما في استخدام أسلحته، حينها ينظر الرجل عن يمينه وعن شماله فلا يرى هذا البطل إلا طريقة الجبناء في علاج أمورهم ومشاكلهم مع الضعفاء، وهي استخدام القوة والبطش والعنف ضد من لا يملك أمامه إلا التوسل والاسترحام والاستعطاف.

إن الخطير في موضوع الضرب المستمر هو أنه ينسف كل اللحظات السعيدة والأيام الجميلة التي قضاها الزوجان مع بعضهما، ويمحوها تماما من الذاكرة، ويفقد المرأة حال الشعور بالأمان والسكينة من أقرب الناس إليها وهو الزوج، ويؤكد في نفسها ذلا ومهانة تجد المرأة مرارة تجرعهما والسكوت عليهما حتى في منامها، وحينها قد يلعب الشيطان ليدفع المرأة في كل اتجاه غير حميد، أبسطه البحث عن حظها العاثر مع زوجها عند الدجالين والمشعوذين.

إننا إذا توافقنا على أن بعض النساء (الزوجات) يصدر عنهن ما يوتر الأعصاب، ويشنج الأجواء، ويرفع الضغط، فمن الضروري أن نتفق على أن الضرب ليس هو العلاج، بل هو مرض آخر في الحياة العائلية لا يصيب إلا جبناء الرجال.

إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"

العدد 1634 - الأحد 25 فبراير 2007م الموافق 07 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً