جميل جدا أن يحظى العلم سنويا بمثل هذه الحفاوة والاحترام، وأجمل من ذلك أن يحظى من أبدع في تحصيله العلمي أو في أدائه الوظيفي بالتقدير والعرفان من قبل الدولة والمجتمع على حد سواء. وأهم من هذا وذاك، أن الجميع في البحرين يقدّر حرص الدولة على أن تولي مثل هذا الاهتمام لمثل هذا الحدث.
لكن بعد أن تنتهي مراسيم احتفالات عيد العلم، ويعود الجميع إلى منازلهم تقف أمام المواطن مجموعة من التساؤلات المشروعة وذات الأهمية، والتي نحن على ثقة من أن المشرفين على احتفالات عيد العلم سيتوقفون عند، وأمام ما يعتقدون أهمية وضرورة الإجابة عنها أو التفكير فيها.
بعيدا عن ضجيج مراسيم الاحتفال، يتساءل المواطن:
1- هل مقاييس الإبداع في الأداء الوظيفي تقتصر على الفترة الزمنية التي أمضاها الموظف في دوائر الدولة، وتنحصر في تعداد أرقام السنوات التي أمضاها قابعا وراء مكتبه؟ أم ان المقياس الزمني، على أهميته، ينبغي أن لا يكون أكثر من واحد من مقاييس أخرى مثل: الكفاءة في الأداء الوظيفي، ونبذ التقاعس والكسل، والصدق في المعاملة، وخلو ملف الموظف المكرم من أية شائبة من شوائب الفساد الإداري والأخلاقي في نطاق العمل الذي مارسه وكوفيء عليه؟
2- هل لايزال معامل التفوق العلمي منحصرا في الدرجات التي يحققها في الامتحانات فحسب - رغم أهمية الثقل الذي ينبغي أن تحظى به الدرجات العلمية - أو أن مقاييس الحكم قد تجاوزت ذلك لتشمل عناصر أخرى، مثل المشاركة في ألأنشطة الأخرى داخل الحرم التعليمي وخارجه، وخصوصا أنشطة مثل الانخراط في الأعمال التطوعية التي تعود بالخير على المجتمع ومؤسساته، وفي مقدمتها، بالنسبة للطلبة، المؤسسة التعليمية التي يتلقون العلم فيها، من دون أن يكون ذلك على حساب التحصيل العلمي، بقدر ماهو عنصر داعم له وكاشف لمواهب إبداعية أخرى يتمتع بها من نال التكريم في هذا العيد؟
3- هل ينال الطلبة المتفوقون الآخرون، والذين لم يشملهم نظام المنح والبعثات الدراسية أية اهتمامات ورعاية أخرى؟ ونحن لا نحصر المسألة في مواصلة التعليم لنيل شهادات عليا، بل نتحدث عن من تمنعهم ظروفهم الذاتية عن مواصلة الدراسة، ومن ثم اضطرارهم لأسباب منطقية من الانخراط في سوق العمل.
4- هذا على مستوى الأفراد، وننتقل منها إلى إبداع المؤسسة التعليمية ذاتها. فالملاحظ أننا في مثل هذه المناسبات، نكتفي بنشر مجموعة من الإحصاءات التي تقارن فقط بين «تزايد أعداد المكرمين في حفلات عيد العلم». والاكتفاء بذلك النمو العددي. فهل أصبح التزايد العددي مقياسا حقيقيا لتدليل على تطور الأداء التعليمي في بلد ما؟ أو ان هناك ما هو أكثر اتساعا وشمولية بحيث يحتضن أيضا جداول مقارنة أخرى على الصعيدين الإقليمي والعالمي؟ وطالما نحن نتحدّث عن المؤسسة التعليمية وحقها في التكريم في مثل هذه المناسبات، فمن الطبيعي أن تقف أمامنا الكثير من التساؤلات وفي مقدمتها: ما هو مصير مشروع « مدارس حمد للمستقبل»؟ هذا المشروع الطموح الذي كان من المتوقع أن يضع البحرين في مقدمة الدول العربية التي أولت التعليم الإلكتروني اهتماما خاصا، ومن قبل أعلى شخصية في الدولة والتي هي جلالة الملك. إن مشروعا من نمط مشروع « مدارس المستقبل» ينبغي أن تكون القوى البشرية التي انخرطت فيه، وعلى وجه الخصوص طلبته من أوائل المكرمين في هذا الاحتفال، هذا على افتراض أن يكون المشروع قد قطع المراحل التي خطط له أن ينجزها.
مرة أخرى ليس المقصود من وراء تناول موضوع احتفالات عيد العلم،والإشارة إلى بعض ما يشوبها من نواقص، الدعوة إلى إيقاف تلك الاحتفالات، أو الانتقاص من مراسيمها. فالقصد من كل تلك الإشارات تطوير مفهوم الإنجاز العلمي أولا، ووضع مقاييس أكثر شمولية ومعاصرة ثانيا، وتفليص الشوائب ثالثا وليس أخيرا.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1634 - الأحد 25 فبراير 2007م الموافق 07 صفر 1428هـ