العدد 1633 - السبت 24 فبراير 2007م الموافق 06 صفر 1428هـ

زليخة...!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من أجمل وأروع القصص التي رواها القرآن الكريم، قصة يوسف (ع)، وهو ليس حكما شخصيا وإنما حكمٌ واردٌ في بداية السورة نفسها: «نحن نقص عليك أحسن القصص» (الآية 3).

القصة تبدأ بمؤامرة إخوة يوسف ضده، ورميه في الجبّ وانتهائه إلى أسرة الأمير المصري، ومنه إلى السجن بسبب مؤامرة زوجته «زليخة» التي راودته عن نفسه فاستعصم، ثم معاقبته على عفافه بالسجن بضع سنين. ولم ينقذه إلاّ حلمٌ رآه ملك مصر، كان سببا لارتقائه عرش مصر واستدعاء عائلته من فلسطين التي كانت تمر بمجاعةٍ ليعيشوا في مصر حيث يسدل الستار على القصة.

هذا ما ورد باختصارٍ في القرآن، وهي قصةٌ جميلةٌ فيها الكثير من العبر، لكن الطريف أن تكتشف في الأدب الفارسي والتركي، وجود شعراء أكملوا القصة بخيالاتهم، فتصوّروا أن زليخة التي هامت بيوسف (ع) عشقا، تزوّجته في الأخير وأنجبت منه وعاشت معه بقية حياتها في هناء... فالخيال يتحرّك حيث تنقطع خيوط المعلومات.

تذكرت القصة وأنا أقرأ بيان وزارة الداخلية الأخير، وتذكرت الآية الكريمة «الآن حصحص الحق». فالوزارة وضعت النقاط على الحروف وكشفت غباء الأطراف التي أرادت أن تكحلها فعمتها! ومؤسفٌ جدا أن يصرّح أحد الوزارء الأربعاء الماضي، أن تلك الصحف (الموالية) على حق (في إثاراتها الطائفية)، وأن «الوسط» مخطئة (في معالجتها للموضوع). ولم نكن في وارد الدخول في مهاترات مع الوزير، ويكفينا بيان الداخلية الذي سمّى الأمور بأسمائها، حتى تجنّبت «صحافة التأزيم الطائفي» نشره كما فعلت الصحافة الوطنية المسئولة.

الوزارة اليوم تدرك أن هناك مشكلة تحتاج إلى مشاركة اجتماعية واسعة في حلّها، وتدرك أن نشر البيانات بلغة ورائحة وتقاليد عهد «أمن الدولة» ليس كفيلا بإقناع الجمهور بإجراءاتها الأخيرة. بل ومن شأن ذلك أن يفاقم من المشكلة ويوسّع دائرتها، خصوصا مع وجود صحافة «التأزيم الطائفي»، التي تقوم بالتجرؤ حتى على تحريف بيانات الداخلية وتضخيم الوقائع. ففي الوقت الذي تحدّث البيان الأول عن «متهم واحد»، ولم يتهم جهة أو منطقة معينة، نرى صحافة التأزيم الطائفي تعمد إلى ذكر أرقام من بطنها، وتذكر جهات مختلقة من عندها، وتتهم منطقة برمّتها، حتى تحوّل الموضوع إلى هذه الصورة المضحكة على ألسنة الجميع.

المشكلة اليوم مع صحافة «التأزيم»، فهي من النوع الذي (لا تنكسر عينه)، يرى الثور فيصرّ على أنه بقرة! بدليل رغبتها في تحويل الموضوع إلى أزمة برلمانية، بينما يقوم الطابور الثاني بفبركة «استطلاع» شارك فيه 600 مواطن كما تدّعي، وعلمنا من مصادرنا الخاصة أن ثلاثة أشخاص (شيلوك، الطنبورة، وسَوَزْوَزْ) قاموا بفبركته على عجل يوم الجمعة ونُشر مانشيتا أمس، من أجل الدفع باتجاه مزيدٍ من الاحتقان والتأزيم، على عكس رغبة الوزارة في التهدئة واحتواء الموضوع مع عقلاء الشعب وقوى المجتمع الوطنية الأخرى.

وإذا كان مدير إدارة الإعلام الأمني بالداخلية عاتب تلك «الأقلام التي خرجت على قواعد العمل الصحافي»، فنحن لا نطالب بمعاقبتهم ولا بقطع أيديهم وأرجلهم كما يطالب بعض «القروسطيين»، وإنما أن يتقوا الله ويستحوا على أنفسهم، وألاّ يهرّبوا بمانشيتاتهم الحمراء مزيدا من الاستثمارات، وألاّ يحرفوا بيانات الداخلية بعد اليوم، وألاّ ينشروا مقالات تفوح منها «رائحة الأجهزة» بأسماء وهمية صفحة (7) فهذه اللعبة القديمةأصبحت مملّة جدا، فارحموا أعصاب القراء.

زليخة عندما شهد عليها شاهدٌ من أهلها بأنها هي التي تحرّشت بيوسف (ع)، ركبت رأسها وطالبت بسجنه، ولكنها في الأخير تنازلت واعترفت: «الآن حصحص الحق»... فهل تعود زليختنا إلى عقلها أم تصرّ على سياسة التأزيم حتى تخلع آخر قطعة (هدوم)؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1633 - السبت 24 فبراير 2007م الموافق 06 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً