وقد زرعت هذه الحال مخاوف أوروبية متنوعة من تدفق المهاجرين عليها، ويمكن إجمالها فيما يأتي:
1 - الاختلال العرقي - الديني:
تخشى أوروبا من المهاجرين على رغم حاجتها إليهم، وهذه الخشية دفعت بها إلى انتقائية واضحة في التعامل مع الأعراق التي تنتسب تاريخيّا إلى الإسلام، مثل الأتراك والألبان والسنجق والبوشناق، فعلى سبيل المثال فإن دولة مثل اليونان لا تمنح تأشيرة دخول للألبان المسلمين إلا بعد تغيير أسمائهم، وهكذا يفعل الإيطاليون الذين يفضلون مهاجرين من الكاثوليك من ألبانيا ومقدونا وكرواتيا وسلوفينيا والبوسنة، وأوروبا على رغم أنها مكوَّنة من مزيج عرقي متباين، فإن المعاملة الخشنة لم تظهر إلا عندما يبدو في الأفق تفوُّق عدد المهاجرين المسلمين.
2 - المشكلات السياسية:
ويلاحظ أن الهجرة إلى أوروبا على رغم فوائدها الاقتصادية، فإنها جلبت المشكلات السياسية داخل دول أوروبا الكبرى مثل فرنسا التي يقف اليمين المتطرف بالمرصاد لكل حكومة متسامحة، والشيء نفسه يحدث في ألمانيا التي ترفض أحزاب الحكم فيها منح الجنسية لمستحقيها خصوصا الأتراك والأكراد، على رغم أنهم يمثلون الجزء الأكبر من القوة العاملة المنتجة في الميادين الصناعية المختلفة، أما في إيطاليا فتلعب جميع الأحزاب بورقة المهاجرين من أجل إحراز تفوق سياسي في بلد لا يحصل أي حزب فيه على غالبية مطلقة.
هذا ناهيك عن المشكلات العرقية الناجمة بين الأعراق المهاجرة ذاتها، أو وجود تجمعات سياسية معارضة لبلاد تربطها بأوروبا أو بنظم الحكم فيها علاقات طيبة.
3 - انتشار الفساد:
ونعني به هنا كل تجارة محرمة ومن بينها المخدرات والسلاح، فتجارة البشر حملت إلى أوروبا أنماطا شريرة وهذا مما لا شك فيه، كما وجدت هذه العصابات في الدول الأوروبية مسئولين مستعدين للربح والانخراط في عملياتهم، وليس اكتشاف عمليات فساد في إيطاليا وألمانيا وحتى فرنسا بالأمر البسيط. وهناك من يعتقد أن بعض المسئولين الأوروبيين يقفون خلف تجارة البشر ويدعمونها لمصالحهم ومصالح الشركات الكبرى التي تعتمد على العمالة الرخيصة في عملياتها الإنتاجية أو الخدمية، وهذا ما يفقد أوروبا صدقيتها أمام العالم، فبينما تريد محاصرة الظاهرة؛ إذ بها تجد أن كبار القوم فيها متورطون... وهذا يثبت أن الفساد ليس مرهونا بجنسية ولا حكرا على أمة بعينها.
4 - انتشار الأمراض المعدية:
ويبدو ذلك سببا مضحكا إلا أن الأوروبيين يعتقدون أن المهاجرين السود من إفريقيا يحملون الإيدز والأمراض المعدية الأخرى مثل التيفويد والملاريا، ولكن بالنسبة إلى المهاجرين من البلقان فإن الأمر يختلف، إذ إن معظم هذه الدول لا تعاني من أمراض متوطنة بقدر ما تعاني من أمراض جنسية مثل الزهري وغيره، وهذا ما يكلف الخزينة الأوروبية مليارات الدولارات، علاوة على الكلفة الناجمة من انتشار هذه الأمراض.
وعلى رغم انتشار هذه المأساة في جميع الدول العربية تقريبا، فإن إدراك المجتمع لها لا يكاد يذكر، بل إن معظم الحكومات العربية لم تتخذ جهودا فعالة لمواجهتها أو حتى رصدها، وربما كان التقرير الذي تصدره وزارة الخارجية الأميركية سنويا عن تجارة البشر هو الوسيلة الموثقة الوحيدة التي يمكن اللجوء إليها لرصد هذه المأساة في بلادنا.
فقد كشف التقرير الأميركي الصادر هذا العام 2006 عن انتشار الاتجار بالبشر في 139 دولة بينها (17) دولة عربية هي: السعودية، وقطر، والكويت، وعمان، والأردن، ومصر، وليبيا، والمغرب، والإمارات، ولبنان، وسورية، وتونس، واليمن، والجزائر، والبحرين، وموريتانيا، والسودان. ويصنّف التقرير الدول إلى ثلاث درجات وفقا لجهودها في مكافحة الاتجار بالبشر. فدول الدرجة الأولى تلتزم بأدنى المعايير التي نص عليها قانون حماية ضحايا الاتجار بالبشر لعام 2000، ودول الدرجة الثانية لا تلتزم بأدنى المعايير ولكنها تسعى في سبيل معالجة المشكلة، أما دول الدرجة الثالثة فلا تبذل جهدا ملحوظا لمكافحة الاتجار بالبشر. وتأتي البحرين - وفقا لمقاييس هذا التقرير- في فئة الدرجة الثانية.
لقد أضحت «تجارة البشر» مشكلة أو بالأحرى مأساة ترصدها مؤسسات المجتمع المدني، قبل المؤسسات الحكومية في المجتمعات المتطورة. هذا ما تؤكده أنشطة منظمات مثل «الآفاق الآمنة» (Safe Horizons) أو «المساواة الآن» (Equality Now) الأميركيتين، اللتين قد نحتاج في البحرين إلى أشكال تنظيمية مشابهة لهما.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1633 - السبت 24 فبراير 2007م الموافق 06 صفر 1428هـ