المراقب لموجة الاستجوابات «بالجملة» التي يشهدها مجلس الأمة الكويتي حاليا، والأزمات السياسية التي ترتبت ولا تزال على أساسها، يستطيع أن يستشرف طبيعة العلاقة التي تربط السلطة التنفيذية بالتشريعية في الكويت، أو طبيعة العلاقة بين النواب والوزراء. وهي العلاقة التي تبدو «غريبة جدا» على مجلس النواب البحريني. فالوزراء الكويتيون «يرتجفون» أمام النواب، ويعرفون تماما أن أي تكتل للنواب قد يقود إلى استجواب، أو طرح ثقة، أو إبعاد. وكيف لا يرتجفون أمام النواب ؟! وقد سبق أن تمكنوا من إبعاد وزير الإعلام السابق محمد السنعوسي، الذي أجبر على تقديم استقالته في منتصف شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي بعد سبعة أشهر فقط من توليه منصبه الوزاري.
النواب بوصفهم ممثلين للسلطة التشريعية في الكويت، يتصرفون بحرية، ويعرفون تماما مقدار صلاحياتهم، ويثقون بقدراتهم ولا ترعبهم « هيبة الوزير». غير أن هذه المرحلة التي وصلها مجلس الأمة الكويتي لم تأت من فراغ، وإنما كانت نتاج تراكم خبرات وممارسة نيابية طويلة. وعندما تقارن هذه التجربة بتجربة مجلس النواب البحريني، تجد هذه الأخيرة تجربة متواضعة جدا، فلم يكشر النواب- على الرغم من حدتهم في الجلسة الأخيرة- بعد عن أنيابهم، ولا يزال الوزراء يتمتعون بثقة كبيرة مستمدة من قناعة تامة بأن الكرسي الذي يجلسون عليه لا يمكن أن يهتز، ويحتاج النواب الجدد إلى وقت طويل قبل أن يستطيعوا أن يهزوا، أو يهددوا بهز كرسي الوزير.
وزير الصحة الكويتي الشيخ أحمد العبدالله خضع للاستجواب الأسبوع الماضي، بعد تكتل نيابي ضده، ويبدو أن التيار الإسلامي المتكتل ضده اتخذ قرارا أكيدا بإبعاده بعد أن اتفق على طرح الثقة فيه في الخامس من مارس/ آذار المقبل.
ليس هذا فحسب، بل إن الكتلة نفسها تراقب بحسب ما نقل عنها في الأخبار وزير المالية الكويتي بصورة دقيقة، بعد أن تم تقديم عشرة أسئلة برلمانية له، وربما يحول قريبا إلى منصة الاستجواب ؛ليحل محل زميله وزير الصحة. وهو الموقف نفسه المدعوم من قبل كتلة العمل الشعبي التي يترأسها زعيم المعارضة أحمد السعدون. فيما تعتزم كتلة أخرى تقديم استجواب آخر لوزير التربية، ويبدو أن الوزراء الكويتيين يراقبون النواب على وجل، ولسان حال كل منهم يقول: على من يأتي الدور غدا؟
في ضوء كل هذه التطورات السياسية في الكويت يتوقع أن يجرى تعديل واسع في التشكيل الوزاري الحالي بعد إجازة العيد الوطني الكويتي التي يحتفل الكويتيون بها هذه الأيام، والمقياس في التشكيلة الجديدة للوزراء هي أن تكون قادرة على « التفاهم» مع أعضاء مجلس الأمة.
إلى هنا وصلت قدرة مجلس الأمة الكويتي، فربما تتغير التشكيلة الوزارية كاملة فقط لكي تكون قادرة على «التفاهم» مع هذا المجلس الذي يهدد بالاستجواب تارة، وبطرح الثقة تارة أخرى، مكشرا عن أنيابه في كل مرة، وغير قابل لأنصاف الحلول، أو لأية وساطات حكومية أو أهلية.
بعد كل موجة الاستجوابات الكويتية تلك، لا نزال نحن في البحرين ننتظر أول استجواب لوزير، وعيوننا على النواب، لا نزال ننتظر تحركا بين الكتل النيابية يثبت لنا بأنها مستعدة لقيادة معارك وحروب ضارية من أجل الحقوق الضائعة. لا نزال ننتظر أن تمارس السلطة التشريعية كامل صلاحياتها، وأن ينظر رموز السلطة التنفيذية (الوزراء) إليها نظرة أقل ما فيها الحذر، لأنهم يعرفون أن هناك من يحاسب، ويراقب، ويمكنه أن يهز كراسيهم التي لم تتعود أن تهز من قبل.
إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"العدد 1632 - الجمعة 23 فبراير 2007م الموافق 05 صفر 1428هـ