العدد 2248 - الجمعة 31 أكتوبر 2008م الموافق 01 ذي القعدة 1429هـ

العصفور: العُشرة تتطلب معرفة ضوابط مخالطة الناس

الوسط - محرر الشئون المحلية 

31 أكتوبر 2008

تحدث خطيب جامع عالي الكبير الشيخ ناصر العصفور في خطبته أمس (الجمعة) عن موضوع العشرة والمخالطة مع الناس وضوابط هذه العشرة، وقال: «بحسب قانون الاستخدام فإنه لا غنى للإنسان عن الناس، فلا يمكنه توفير حاجاته ومقومات حياته بمعزل عن الآخرين، فهو مدفوع بشكل غريزي وطبعي إلى مخالطة بني نوعه، ليستعين بهم في توفير مقومات الحياة وضرورياتها، ومن الطبيعي كل ما ازداد الانسان تطورا وتمدنا في مختلف شئون حياته الحضارية كل ما ازدادات الحاجة إلى الآخرين بشكل أكبر، يقول أمير المؤمنين (ع): «ليجتمع في قلبك الافتقار إلى الناس والاستغناء عنهم، ويكون افتقارك إليهم في لين كلامك وحسن سيرتك، ويكون استغناؤك عنهم في نزاهة عرضك وبقاء عزك»، ومن هنا فإن المخالطة والمعاشرة تحتاجان إلى أن يتعرف الإنسان على أسس وضوابط العشرة، ويعرف أبعاد العلاقات وما يؤثر فيها إيجابا وسلبا، فاتصاف الإنسان بالخلق الرفيع والخلق الجم وطلاقة الوجه وحسن اللقاء والإنصات والمداراة والإنصاف إلى غير ذلك، بالاضافة إلى معرفة الطباع والقابليات هي أمور أساسية وجوهرية».

وأضاف «نلاحظ في النصوص المأثورة عن النبي (ص) وآل بيته تركيزا كبيرا واهتماما بالغا إذ أولت الروايات أهمية إلى هذا الجانب الحيوي، يقول أمير المؤمنين: «خالطوا الناس مخالطة إن متم بكوا عليكم وإن غبتم حنوا إليكم»، ويقول الإمام الصادق: «اتقوا الله وكونوا إخوة بررة متحابين في الله متواصلين متراحمين، تزاوروا وتلاقوا وتذاكروا أمرنا وأحييوه».

وقال العصفور في خطبته: لنا في رسول الله (ص) الأسوة الحسنة وهو الذي وصفه ربه بالخلق العظيم، وخاطبه ربه الكريم: «فَبِمَا رحمة من الله لِنْتَ لهم، ولو كنت فظّا غليظ القلب لانفضوا من حولك» (آل عمران: 159). هذا الخلق العظيم الذي أسر قلوب العالمين وجعل أعداءه المناوئين يتحولون إلى الدين وينقادون إلى الهدى، والقضية المعروفة في سيرته (ص) أنه لما كان له جار يهودي يؤذيه وكان يلقي الأوساخ في طريقه (ص) وكان يمارس هذا العمل بشكل يومي وعندما افتقده رسول الله (ص) سأل عنه فقيل له إنه مريض فما كان من النبي إلا أن ذهب لعيادته وأخذ يلاطفه بالكلام واطمأن على حاله فاندهش الرجل من زيارة رسول الله له، الذي جاء يواسيه في مرضه وهو الذي كان يؤذيه لما كان صحيحا معافا فعلم انه رسول من الله حقا ولم يملك إلا أن يؤمن برسالته ويستجيب لدعوته فشهد الشهادتين وأسلم، إذا علينا ان نتأسى برسول الله (ص) في خلقه وسعة صدره وتحمله وصبره، «وما يلقاها إلا الذين صبروا، وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم» (فصلت: 35).

وذكر العصفور ينقل بعض العلماء هذه القصة الجميلة وهو أن شخصا كتب رسالة إلى أحد العلماء يتهجم عليه فيها وقد ضمنها هجوما لاذعا وعبارات قاسية فلما قرأها العالم ألقاها جانبا ولما التقى الرجل قال له لقد رميت رسالتك التي كتبتها - وفهم الرجل من كلامه أنه أهمل الرسالة أو ألقاها ولم يقرأها - ثم قال له العالم يبدو أنك تعاني من ضائقة مالية فخذ هذا المبلغ لحل مشكلتك ففرح الرجل بذلك وكان يقول في نفسه «حصل خير أنه لم يقرأ رسالتي»، هكذا يكون التأسي والاقتداء بهدي الأبرار والصالحين الذين علموا الناس الصبر والحلم وكظم الغيظ والتسامح والعفو، وتصفية القلب من الأحقاد والأضغان، ومقابلة الإساءة بالإحسان، يقول الإمام الصادق: «قال رسول الله (ص) ثلاث من لم يكن فيه لم يتم له عمل، ورع يحجزه عن معاصي الله، وخلق يداري به الناس، وحلم يرد به جهل الجاهل».

وتحدث العصفور في الخطبة الثانية عن أولئك الذين يمتلكون الشجاعة فقط في نقد الآخرين وإظهار عيوبهم وسلبيات مواقفهم، في الوقت الذي يغفلون أو يتجاهلون حالهم، وما هم عليه من عيوب ونواقص وسلبيات، وقال إن سبب ذلك يرجع إلى ان هؤلاء الناس استتروا وراء جدار من الغفلة الناشئة عن الغرور والتكبر والجهل، بحيث عميت عيونهم عن رؤية واقعهم والتعرف على سلبياتهم، وقال الإمام الصادق: «إذا رأيتم العبد يتفقد الذنوب من الناس ناسيا ذنبه، فاعلموا أنه قد مكر به».

وشدد العصفور على ضرورة أن يوجه المؤمن اهتمامه ويبذل جهده في بناء نفسه وإصلاح سريرته وتطهير قلبه من الأحقاد والعصبية الجاهلية.

العدد 2248 - الجمعة 31 أكتوبر 2008م الموافق 01 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً