في منتصف الأسبوع الجاري، احتضنت البحرين وعلى مدى يومين مؤتمرا عن «تجارة البشر». ويبدو أن هذه القضية قد تحولت إلى أحد الموضوعات الساخنة التي تتولاها المؤسسات الحقوقية محلية كانت أم عالمية، ساعية لاستصدار قوانين تحرمها وتحاربها. فعلى سبيل المثال لا الحصر ومنذ منتصف الشهر الماضي، يناير/ كانون الثاني، درج أعضاء في تنظيم دولي للدفاع عن حقوق الإنسان يدعى «المساواة الآن» (Equality Now) على التجمهر خارج قاعة محكمة في نيويورك كل يوم خميس لاجتذاب انتباه الجمهور إلى الحاجة لاستصدار قانون حازم يحرّم تجارة البشر بولاية نيويورك.

والتنظيم هو جزء من تحالف متنام يضم جمعيات غير ربحية تساعد ضحايا هذه التجارة من خلال تقديم المعونات لهم وحملات توعية عامة وممارسة ضغوط سياسية في أروقة المجلس التشريعي لولاية نيويورك.

ومما دفع عجلة جهود هذه الجمعية لمكافحة تجارة الجنس مقال في أسبوعية «نيوزويك» في مستهل التسعينات من القرن الماضي تحدّث عن وجود 25 عملية سياحة جنسية في الولايات المتحدة. هذا الانتشار جعل من الصعب جدا حتى إحصاء عدد عمليات السياحة الجنسية، إذ إنها تتراوح من تلك التي يشرف عليها أفراد يديرونها بواسطة شبكة الإنترنت، إلى شركات تحتفظ بمكاتب لها في كبريات المدن الأميركية.

وزوّد إقرار «قانون حماية ضحايا التجارة» الذي أصدرته في العام 2000 وزارة العدل الأميركية بمزيد من الصلاحيات لمقاضاة مروّجي هذه التجارة. وفي الفترة بين السنتين الماليتين 2001 و2006 ادعت الوزارة ضد 360 متّهما ونجحت في إدانة 238 منهم. وتعلقت نسبة 75 في المئة من هذه الحالات بتجارة الجنس أما البقية فكانت غالبيتها متصلة بحالات عمل قسري.

ولعل السؤال الذي يرد في ذهن القارئ هو: ما هي تجارة البشر؟

يعرّف «بروتوكول» الأمم المتحدة لمنع وقمع ومعاقبة تجارة البشر، لاسيما النساء والأطفال، تجارة البشر بما يأتي:

«تجنيد ونقل وإيواء واستقبال أشخاص، عنوة أو باستخدام أشكال أخرى من الإكراه، والاختطاف، والخداع، أو سوء استخدام السلطة أو استغلال مواطن ضعف، أو تلقي أو دفع مبالغ مالية أو تقديم مزايا لتحقيق موافقة شخص أو السيطرة عليه لغرض الاستغلال. ويأخذ الاستغلال شكل الاستغلال الجنسي أو الخدمات أو العمالة القسرية، أو الاستعباد أو الممارسات الشبيهة بالاستعباد، والنخاسة أو إزالة أعضاء من جسد الإنسان (لغرض بيعها)».

ويدفع ضحايا تجارة البشر ثمنا باهظا، كالأذى الجسماني والنفسي، بما في ذلك الأمراض، وإقصاء الضحايا عن عائلاتهم ومجتمعاتهم. وكثيرا ما يفقد ضحايا التجارة فرصا حاسمة للنمو المعنوي والاجتماعي والأخلاقي. وفي أحيان كثيرة يكون الاستغلال تدريجيا إذ قد يُستغل طفل يتاجر به لأغراض العمالة من قبل طرف آخر. ومثال على ذلك، الفتيات النيباليات اللاتي يستغللن للعمل في مصانع السجاد والمطاعم ويجبرن لاحقا على العمل في تجارة الجنس بالهند. وكثيرا ما يجبر ضحايا تجارة الجنس على تناول العقاقير ويقاسون من أعمال عنف شديدة.

ولا يقتصر الأمر على الولايات المتحدة أو البحرين، إذ تشير التقارير الدولية إلى أن تجارة البشر باتت أكبر تجارة غير شرعية في العالم، إذ تقدر منظمة العمل الدولية (I L O) في آخر تقرير لها أرباح استغلال النساء والأطفال جنسيا بـ 28 مليار دولار سنويا، كما تقدر أرباح العمالة الإجبارية بـ 32 مليار دولار سنويا، وتؤكد المنظمة أن 98 في المئة من ضحايا الاستغلال التجاري الإجباري للجنس هم من النساء والفتيات، ويتعرض نحو 3 ملايين إنسان في العالم سنويا للاتجار بهم، بينهم 1.2 مليون طفل، وينقل ما يتراوح بين 45 ألفا و50 ألفا من الضحايا إلى الولايات المتحدة الأميركية سنويا.

وتغذي الأرباح من تجارة البشر نشاطات إجرامية أخرى. واستنادا إلى الأمم المتحدة تولد هذه التجارة 5.9 مليارات دولار في العام، كما إنها تشكل أحد المشروعات الأكثر ربحية والمتصلة اتصالا وثيقا بتبييض الأموال وتجارة المخدرات وتزوير الوثائق وتهريب البشر. كما ثبتت صلات مدعومة بالوثائق بينها وبين الإرهاب. وحيث تزدهر الجريمة المنظمة تصبح الحكومات وسيادة القانون ضعيفة.