ذكر خطيب جامع الإمام المنتظر بقرية دار كليب الشيخ حميد المبارك أن «الحالة الدينية الحقيقية لا تحصل بمعزل عن التنمية البشرية المتكاملة»، لافتا إلى أن «الإنسان الذي يعاني من التخلف والعشوائية في أساليب الحياة لن يكون قادرا على أن يرقى بنفسه في مجال المعنى، ولذلك فلا تقاس الحالة الدينية بكثرة المساجد والوعاظ والخطباء فذلك جزء من كل لا يكتمل الا بسائر الأجزاء».
وفي بداية الخطبة، تحدث المبارك عن حديث النبي (ص): «إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق، فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى».
وقال: «لقد ذكر العلماء عدة تفسيرات للحديث ولكن أحسنها هو إن الدين حالة عميقة تتخطى ظواهر السلوك الانساني وتصل إلى بواطن النفس، فالظواهر الدينية مجرد وسائل وأدوات موصلة للمعنى الحقيقي المقصود، وكان المرحوم الامام الغزالي يحذر من الاستغراق في الظواهر وجعلها أصلا وذلك لأنها حينئذ تتحول إلى حجب وموانع عن حقائق الأشياء كالذي يبالغ في الاهتمام بالطريق فيشغله عن المقصد، فعلى الانسان أن يتعود التفكير في الغاية والهدف من كل عمل عبادي يقوم به حتى يكتسب بالتدريج وعيا حقيقيّا بمقاصد العبادة ولا يبقى يدور في دوامة الأشكال من دون أن يدرك مغزاها».
وشدد المبارك على ضرورة العمل على تحقيق الوعي بما نسميه (التدين الرفيق بالإنسان) انطلاقا من قول النبي (ص) «فأوغلوا فيه برفق» إذ المقصود بالتدين هو القرب من الله تعالى، والقرب الحقيقي من الله يحصل بتكامل الانسان في إنسانيته لأن الله خلق الانسان على مثله، لا بمعنى المثلية الجسمية فليس الله جسما وليس المثلية الحقيقية إذ ليس كمثله شيء، ولكن الانسان قبس من روح الله وقد قال النبي (ص) «تخلقوا بأخلاق الله» فكلما اقترب الانسان من انسانيته يكون اقترب من الله تعالى.
وأضاف «هكذا نتوصل إلى قضية مهمة نسعى إلى التركيز عليها في هذه الخطبة وهي إن الحالة الدينية الحقيقية لا تحصل بمعزل عن التنمية البشرية المتكاملة».
وواصل المبارك «قال الامام علي (ع) (الفقر مدهشة) وينبغي النظر إلى الفقر هنا بمعناه الواسع، فالفقير في الوعي بالحياة لن يتطور بالخطب والمواعظ ولن يحمل منها شيئا إلى واقع حياته، والإنسان الذي يعاني من التخلف والعشوائية في أساليب الحياة لن يكون قادرا على أن يرقى بنفسه في مجال المعنى، ولذلك فلا تقاس الحالة الدينية بكثرة المساجد والوعاظ والخطباء فذلك جزء من كل لا يكتمل الا بسائر الأجزاء، وقد نجد من طبقة الأثرياء اهتماما ببناء المراكز الدينية وذلك أمر حسن ولكن ينبغي لهم أيضا أن يساهموا بشكل جاد في سائر مجالات التنمية البشرية كالتعليم والإسكان والصحة والرعاية النفسية، فكل ذلك دخيل في كمال الانسان الذي يقترب به من الله تعالى، ولا يفوتنا الاشارة الى إنه لايزال القطاع الخاص في مملكتنا يفتقد الوعي الكافي بضرورة المشاركة في التنمية أو إن الدولة لا تمتلك خططا حقيقية لإشراكه، ولكن لابد من الإشادة ببعض العوائل البحرينية الرائدة في هذا المجال بعيدا عن التحصيصات الطائفية والفئوية الضيقة - عائلة كانو مثلا».
وقال المبارك: «في مجال آخر طلب مني بعض الإخوة إبداء الرأي في الجدل الدائر في بعض الصحف بشأن مكبرات الصوت في المساجد والمآتم، فمن المستحسن استعمال مكبرات الصوت لغاية إبراز الشعائر الدينية، ولكن المبالغة في استعمالها تشتمل على محاذير الاضرار والإيذاء وذلك لا ينسجم مع التدين الرفيق الذي أمرنا رسول الله (ص) به، فكل أحد يمتلك الحق في قول الكلمة ولكن ليس له أن يقهر الآخرين على سماعها».
وأضاف «يؤطر القرآن الكريم قول الحق بالدعوة الى الاستماع (تعالوا الى كلمة سواء) (آل عمران: 64) ونلاحظ ما يشتمل عليه عنوان الدعوة من الاختيار إذ قد يستجيب المدعو وقد لا يستجيب، فالمطلوب إذن هو مجرد الإعلان والإشعار بوجود المظاهر الدينية فيسعى اليها من يريد المشاركة ويكفي في ذلك مستوى معقول من الصوت في محيط المسجد أو المأتم، أما احتكار الأجواء المشتركة و إكراه الآخرين على الاستماع مهما تكن أحوالهم ومذاهبهم فذلك أمر على خلاف الرفق في الدين وعلى خلاف قول النبي (ص) «يسروا ولا تعسروا ، وبشروا ولا تنفروا».
العدد 2248 - الجمعة 31 أكتوبر 2008م الموافق 01 ذي القعدة 1429هـ