أنا قلق عندما أشاهد تلفزيوني الأميركي وأرى المسلمين أشعر بالخوف.
أرى أعمال عنف، وأسمع موجات من الغضب والكره. أشاهد حربا وأخطارا ماحقة وغليانا في المزاج. ليس للمسلمين وجه مسالم في تلفازي الأميركي ولا يبدو أنهم سعداء. هكذا أشعر في كل مرة أطالع فيها الشاشة.
هذه الصور، والتي لا أشك في أنها حقيقية، تصدمني. فالكثير من البلدان الإسلامية تعاني من ويلات الحرب والموت والفقر وقلة الاعتناء بحقوق الإنسان والخوف من انعدام الأمن الاجتماعي. لكن ما أعرفه هو أن هذه الصور البائسة ليست تنطبق على كل العالم الإسلامي. بل وأجزم أنها لا تعبّر عن حقيقة ما يجري في هذه البلدان. كلي ثقة فيما أقول فقد عدت توا من رحلة طويلة في مناطق مختلفة في العالم الإسلامي.
تجولت في الباكستان، وعشت في الأردن، وعملت في المغرب. في هذه البلاد عشت سعيدا وشهد قلبي فرحا ما عهده قبل. ضحكت مع أصدقاء جدد وغرباء تعرفت عليهم للتو بعد أن شملوني برعاية وكرم وحب إنساني نبيل. لم أشعر بالغربة قط. دعاني الناس إلى بيوتهم وشاركوني - طواعية - لقمة عيشهم وماء شربهم وفراش نومهم والأهم: دفء قلوبهم.
هذه بضع قصص جلبتها
لكم من بلاد مسلمة
بينما أتمشى في لاهور ليلا، المدينة الرائعة في شرق الباكستان والشهيرة بفنها المعماري، ومطبخها المميز وضيافة أهلها، لاحظت رجلا يتبعني. حسبته يروم بي شرا فأسرعت الخطى لكنه ظل يحاول اللحاق بي لخمسة عشرة دقيقة. كنت وأنا أحاول الهروب أنظر خلفي مرارا آملا أن يكون طيفه قد غاب. بعدها أخذ هو يبطئ وصارت المسافة بيننا تبتعد ثم التفت الى شارع رئيسي مضاء بشكل حسن وفيه بعض المارة فجلست لأستريح على مقعد خشبي. وما هي إلا دقائق بسيطة حتى ظهر طيف ملاحقي من بعيد وصارت صورته تتضح أكثر فأكثر ثانية بثانية. لم يكن هناك أدنى شك في وجهته. إنها مقعد الخشب حيث أنا.
كان نفسه قد انقطع وهو يقترب مني وكان يلهث. أما أنا فقد ملأ الرعب قلبي. لم أدرِ ما أفعل. ثم أدركت أن لا خيار سوى أن أواجه هذا الرجل واستعددت للأسوأ. وما أن اقترب مني أكثر حتى قال والصوت يكاد يغيب من حنجرته من شدة ما مشى: «عفوا يا سيد، لقد أوقعت كتابك هناك؟» ناولني الكتاب وتمنى لي أمسية سعيدة وأدار ظهره وقفل عائدا من حيث أتى.
كم خجلت من نفسي ومن سوء ظني بالبشر. وكم راقني عزم ذاك الرجل وولاءه لعمل نبيل المقصد.
أشهر مضت. هو انا ذا في وادي نهر الأردن، البقعة الأشد انخفاضا عن سطح الأرض. كنت في إحدى الحافلات الشعبية منطلقا إلى مكان عملي في الأغوار. وقف شخص يرتدي زي رجال الدين المسلمين، إماما أظنه أو داعية، وطفق يحاضر في ركاب الباص يحثهم على الصلاة وعلى المواظبة على المسجد. ولما لاحظ وجودي، وعلم أني من الغرب، وجه بصره لي وتكلم معي وعني. لم تسعفني اللغة ولم أفهم جل ما قال، غير أنني لم أكن مرتاحا. ما الذي يمكن أن يقوله هذه الشيخ المسلم لأميركي ومسيحي مثلي، تساءلت ولم أستطع أن أبعد أفكار سوداء عن عقلي. خفت قليلا أيضا وما أن توقف الباص في إحدى محطات توقفه الكثيرة وبعيدا عن مقصدي، حتى قررت وبسرعة أن أغادره مددت يدي إلى جيبي لأدفع الحساب فكان هذا الشيخ أسرع مني وقام بدفع الأجرة عني وقال لي: «أهلا وسهلا بك في الأردن. بلدي ترحب بك وأتمنى لك طيب الإقامة».
ماشيا في شارع لم أرد النزول فيه، تعجبت من فعل الرجل ولم أحتج كثيرا من التفكير لأجدني قد وقعت مجددا في سوء الظن بالناس والحكم عليهم سلفا من غير تبين حقيقة مبتغاهم. حياني رجلان مرا توا بقربي... رددت عليهما بأدب. ابتعدا فقلت بصوت عال: يا رب، ما أجمل هذا المكان وما أجمل ناسه!
مساء ذات اليوم، التقيت بسائق الحافلة في الشارع وتجاذبنا أطراف الحديث كما نفعل عندما نلتقي عادة. سألته عن فحوى كلام الداعية ذي الملابس الدينية صباح اليوم. قال السائق إنه كان يحثنا على ضرورة احترام غير المسلمين ورعاية الغرباء بصرف النظر عن دينهم ومعتقداتهم وبأن في هذه الأعمال تقربا لله.
كم كنت سعيداW لوجودي بين هؤلاء البشر
ثم ألقتني مشيئة الرب في المغرب سنة 2004 وكنت أعمل في مشروع تطوعي صغير ترعاه هيئة السلام الأميركية. كانت إقامتي في جزء سريالي من بلاد المسلمين: أزرو بلدة صغيرة فاتنة الجمال تقع على أطراف جبال الأطلس. كنت الأميركي الوحيد الذي يعيش في هذه البلدة ذات الخمسين ألف نسمة.
وعلى رغم أنني لم أعرف أحدا في هذه البلدة، فإنني لم أشعر بالغربة للحظة واحدة ولم يعاملني أحد كغريب. كان كل من التقيت معهم ودودا كريم الطبع حسن الخلق. سألوني عن أهلي وعن بلدتي وعن أشيائي الخاصة بأدب بالغ وبرغبة صادقة في المساعدة وتقديم العون. ساءهم ما كانوا يسمعون ويرون عن معاملة المسلمين في بلاد الغرب وفي أميركا وأجهزة تلفزتها.
وخلال سنتي إقامتي هناك، عشقت الناس والأرض وكان لي أصدقاء حقيقيون تجدهم حينما تحتاجهم. ما عكر صفوي إلا مشاهدة التلفزيون الأميركي الذي جعلني أشعر بأنني كأميركي محاصر وعلى موعد دائم مع الخطر إن كنت في بلد إسلامي. لقد اقتنعت من خلال هؤلاء الناس في المغرب بأن الناس لا تكرهنا ولا تكره أنفسها كما يحلو للبعض هنا في أميركا أن يزعم.
ما أشد تناقض تجربتي الشخصية مع الصور التي أراها عن المسلمين في أجهزة إعلامنا. أعرف بأن السعادة لا تجد طريقها عادة إلى الأخبار، لكن الموت والخراب يجدان الحيز الأكبر في الإعلام. ربما ليس دور الإعلام أن يحدثنا عن الأشياء العادية، فأنا لا أتوقع منه أن ينقل لي صور الحياة في نيوزيلندا أو برمودا أو الواق واق. لكنه - الإعلام - بات لا يترك لمشاهديه مجالا حتى لتخيل أن أخبار حسنة تحدث في العالم الإسلامي.
ما أريده لبني جلدتي، مواطني الولايات المتحدة، أن يدركوا أن العالم الإسلامي أوسع بكثير مما تلتقطه عدسات الكاميرا وأنه أكثر تنوعا مما نظن. فيه المر وفيه الحلو. كما أن علينا أن نقوم بدورنا في البحث والتقصي وهو أمر بات ممكنا بفضل ثورة المعلومات والإنترنت.
*مستشار أميركي متخصص في العلاقات الثقافية، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1631 - الخميس 22 فبراير 2007م الموافق 04 صفر 1428هـ