في هذه الأيام، يزور بلدنا الحبيب عددٌ كبيرٌ من الصحافيين الأميركيين والأوروبيين، تحسبا لما قد يحدث من تطورات في منطقة الخليج. فالغربيون قد لا يصدّقون أن إدارة بوش لن تقدم على حماقةٍ أخرى بعد حماقتي أفغانستان والعراق.
ما يعنينا من الموضوع، هو سوء توقيت الحملات الصحافية التي تبدأ وتنتهي بحركةٍ موجّهةٍ كالـ «روموت كونترول»! هذه الحملة، واسمحوا لنا بإبداء «رأي آخر»، هزّت كثيرا ثقة زوّارنا الأكارم (أميركان وأوروبيين وربما استراليين ونيوزلنديين أيضا) بالوضع الأمني المستقر في بلدنا، ولا أدري ماذا سيكتبون في تقاريرهم المقبلة عنّا.
العاملون بالوسط الصحافي، يدركون حجم الاتصالات التي جرت يوم الثلثاء، للاستفسار عن حقيقة الأوضاع. فمانشيتات صحافتنا المحلية ما قصّرت (اشتغلت شدّان): «مخطّط مدروس لزعزعة استقرار البحرين»، و «الداخلية تكشف عن معسكر إرهابي ببني جمرة لتجنيد الشباب على إشعال الفوضى»! أما ثالثة الأثافي فتحدّثت عن «كشف مركز للتدريب على الشغب بإحدى المزارع»... ولأن شلختها أطول من غيرها، أردفته بمانشيت ثانٍ يقول: «المركز يدرّب الشبان على إلقاء الحجارة»، وكأن إلقاء الحجارة يحتاج إلى تدريب ثلاثة أشهر في معسكر!
البحرينيون بعضهم أصيب بكآبة لأن هذه الشلخة ذكّرتهم بالشلخ في التسعينات، وفي المقابل أصيب بعضهم الآخر بهستيريا من الضحك، استمرت من الصباح حتى منتصف ليلة الأربعاء! وهو خلاف ما أصاب الأجانب، فبعضهم أصابته رجفةٌ كبيرةٌ من الخوف، وبعضهم أصيب بانهيارٍ نفسي وتشنّجٍ عصبي، فكلمة «معسكر إرهابي» يذكّرهم بما فعله تنظيم القاعدة بالولايات الأميركية الشقيقة.
لا يمكن إلقاء اللوم كله على من قام بكتابة بيان وزارة الداخلية الذي أربك الوضع في البلد، ويبدو أن ذلك تمّ بحسن نيةٍ، لكنّ اللوم الأكبر يقع على بعض الصحافيين الذين يعتبرون أنفسهم أذكياء جدا، فاجتهدوا في إضافة بعض البهارات و(الشلخ) على بيان الداخلية فأفسدوا الطبخة!
هؤلاء مازالوا يعيشون بعقلية (أبو كلچ)، لم يصل إليهم بعد أن الزمن تغيّر، وأن الاتحاد السوفياتي تفكّك، وأن سياسة هتلر القديمة جدا: «اكذب ثم اكذب» لم يعد يقبلها الناس، وأن الأوطان لم تعد زرائب، وأن الشعوب ليست حيوانات، فهي تفكّر الآن في الكرامة بمقدار ما تفكّر في الخبز.
هؤلاء الدهاقنة الذين يعيشون خارج نطاق العصر، وقيم العصر، وأخلاقيات العصر، تورّطوا مرة أخرى عندما صاغوا مانشيتاتهم القديمة المهترئة، وورّطوا وزارة الداخلية بذكائهم الخارق. ربما كان ذلك اجتهادا منهم ولم يُكَلّفوا شفويا أو كتابيا كما كان يجري في السنين الغابرة. فهم والحال هذه كالأحمق... الذي يريد أن ينفعك فيضرك!
ومن هذا العمود، ومن على شاشة هذا الكومبيوتر، ومن وراء هذه الطاولة... أقدّم اقتراحا برغبةٍ إلى وزارة الداخلية الموقرة، لإجراء تحقيق مع هؤلاء، لكي لا يكرّروا الخطأ مرة أخرى، وخصوصا أنهم لم يتعلّموا قط من أخطائهم، مع انهم (لابچين) في الصحافة منذ عشرين أو ثلاثين عاما... مو راضين يفكّون!
هؤلاء «الأذكياء» ربما انهم نجحوا في تهريب أعدادٍ كبيرةٍ من المستثمرين العرب والأجانب في يوم واحد... ما عجزت عن تهريبه 1245 مظاهرة ومسيرة واعتصاما طوال خمس سنوات!
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1630 - الأربعاء 21 فبراير 2007م الموافق 03 صفر 1428هـ