تشهد البحرين طفرة عمرانية رائعة وغير مسبوقة، ولنا أن نفخر بأن البحرين صغيرة الحجم هذه ستزداد مساحتها ويكبر حجمها... وسيزداد استيعابها للكم الهائل من الانفجار السكاني البحريني، ولاستيعاب الكثير من الأجانب الوافدين للتمتع بخيرها الوفير في هذه الحقبة. وبتنا نعاني الأمرين من الازدحام في الطرقات التي ننحشر فيها ما بين السيارات العملاقة والمحملة بمواد البناء المختلفة وبالأطنان والتي تكاد أن تسحقنا ونتضاءل ونشعر بالخوف ونسأل الله أن يفوت هذه المسافة على خير ونرجع سالمين! خوف حقيقي ورعب!
ثم ننحشر ثانية فيما بين الدواعيس أو (الزرانيق) في الدخول أو الخروج منها لامتلائها أيضا بكتل الرمل والكنكري والاسمنت لوازم البناء من دون ضوابط أو قوانين لحماية المارة، وسلامي على إدارة المرور وأرجوها أن تحدد أماكن وضع هذه المواد لإفساح المجال لنا كي نستخدم الطرقات من دون مضايقات وحرق أعصاب وتضييع الوقت!
وازدادت حركة السيارات على الطرقات إذ أصبحت جراجات دائمة ثابتة ومتحركة أحيانا بسبب النشاط العمراني أيضا والكل يريد ان يبني ويتحرك! وعلى رغم أن سياستنا الحكيمة تقول بفخر أيضا بأن البحرين ستشابه دبي في العام 2009، بالتقدم... مع التحفظ والحذر عن العيوب والمشكلات التي لم نأخذ منها دروسا التي انزلقت فيها دبي، إذ بدأت الشركات ورؤوس الأموال بالهروب منها بسبب الغلاء والازدحام!
ونأسف إذ إننا نأخذ التجارب الفاشلة وقبل معالجتها ونقل الأشياء حرفيا من دون الإدراك بأن المجتمع البحريني في تركيبته السكانية والاجتماعية يختلف اختلافا جذريا عن دبي، وأن من يزور البحرين يدرك أن هناك شعبا متواصلا ومتكاتفا وله حضارة مميزة وسمة واضحة تختلف تماما عن دبي، وما يطبق في دبي مستحيل تطبيقه في البحرين اجتماعيا! والتقليد الأعمى قد يضر بالبلاد كثيرا!
إن نسبة السكان الأصليين في دبي هي 10 في المئة من المجموع الكلي للسكان الوافدين! فهم ضيوف على البلاد... ومن حق الضيوف أن يعاملوا معاملة فاخرة. ولقد تم فعلا تكريمهم وتوفير المسكن والعلاج والدراسة داخل وخارج البلاد والرواتب عالية وجيدة جدا وتتلاءم مع ضخامة الثروة في البلاد، لذلك فهؤلاء الضيوف مميزون ومحترمون ولهم مزايا كثيرة جدا غير التي تم ذكرها. وهم على رغم شعورهم بالغربة مرتاحون ماديا على الأقل.
لذلك اقتنع الإماراتيون بضيافتهم ورضوا بقدرهم وتفاهموا مع حكوماتهم. أما بالنسبة الى البحرين لو أن التوسعة ستغدق الرزق الوفير لما تضايقنا أو شعرنا بأن المشروعات هذه من دون فائدة للبحريني!
إن عدم توفير المسكن اللائق للشباب والمعوزين، والرواتب الضئيلة وغلاء المعيشة والمعاناة في العلاج (الصحة) وعدم وجود دواء أو أسرّة كافية للبقاء في المستشفى كلها مشكلات كبيرة، وعدم وجود أماكن للترفيه وحتى البحر اختفى، لو أن للبحريني مثلا (جوازي سفر) كالأجانب المدللين حينها قد يمكنه التساوي ولو بجزء بسيط مع الأجنبي صاحب هذا الامتياز الذي لديه بلدان وربما بيتان ومعاشان وفرصة للهروب من حر ولهيب الصيف، على أقل تقدير.
فالأجانب المدللون... ذوو الرواتب الضخمة والسكن الفخم والنوادي الخاصة بالإضافة إلى خلق الجو الملائم لهم للعيش معنا من توفير جميع الموارد والأمكنة الترفيهية لهم! حتى المطاعم تنوعت وازدادت لإرضاء أذواقهم! فالبلاد تهيئ نفسها لعيش الأجنبي الرغيد وأهمل البحريني!
عدد البحرينيين ليس كعدد الإماراتيين، ونرجو أن لا تتذبذب هذه النسبة مع التجنيس العشوائي ومع الضعف المادي للبحريني لأنها حينها ستكون المصيبة الكبرى من الألم.
على رغم المساعدات القيّمة التي قدمها جلالة الملك لشعبه، فإنه مازال يحتاج إلى المزيد من الدعم.
إننا بحاجة الى توفير العناصر الأساسية لحضارة هذا القرن لشعب لديه الثروة ومن حقه التمتع بها.
لو أننا وفّرنا له حق العيش الكريم لتمكنّا من القضاء على الكثير من الظواهر السلبية والناقصة في المجتمع، وما نسمعه يوميا ونراه كمثل العناوين التي نطالعها هذه الأيام:
- الكشف عن مركز للتدريب على الشغب في إحدى المزارع.
- الداخلية تكشف عن متورطين في مخطط الاستقرار والأمن.
- الإعلان عن زيادة عدد المجنسين وازدياد عدد الجرائم بنسبة 150 في المئة.
- القبض على عصابة تسرق المنازل.
- القبض على شبكة دعارة تقودها امرأة... إلخ من العناوين الأخرى.
إن الجرائم تنتشر مع الفقر الشديد والعوز، ولكي نتجنب كل هذه المشكلات علينا أن نفكر في توفير الحياة الملائمة لهؤلاء قبل انحرافهم إلى الجريمة وقبل انحدار البلاد الإنساني والعيش في مجتمع ملؤه الإجرام والخوف.
إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"العدد 1630 - الأربعاء 21 فبراير 2007م الموافق 03 صفر 1428هـ