في مقال سابق أشرت الى أهمية صون الحقوق الثقافية التي لا تقل أهمية عن الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية فهي جزء لا يتجزأ من المكونات الأساسية التي تشكل نسيج المجتمعات وهويتها.
ولربما فكرة تجمع مجموعة من المهندسين المعماريين والمهتمين بالشأن الآثاري والتراثي مساء أمس في سوق القيصرية بالمحرق تضامنا مع قطاع الثقافة والتراث الوطني في عدم هدم هذه السوق هي خطوة مشكورة، وإن كانت هناك في الماضي جهود أخرى إلا أنها أي الخطوة ذاتها تعبر عن شكل من إشكال التضامن أو الاعتصام المعني بأهمية تفعيل وصون الحقوق الثقافية باعتبار أن حماية المباني التراثية وأحيائها والمواقع الأثرية لها علاقة ذات صلة بهذه الحقوق.
وإن كانت سوق القيصرية تمثل ذاكرة ونكهة خاصة ولاسيما عند أهل المحرق فهي بكل تأكيد مكان يحمل الكثير من الذكريات التي نحن جيل هذا اليوم لا نعرف عنها الا القليل.
لن يكون هدم هذه السوق هو الحل كما تطالب بعض الجهات بالدولة ولكن الحل في ترميمها والمحافظة عليها... فحتى عندما تذهب وتسأل أصحاب المحلات الصغيرة هناك من يعارض فكرة هدمها لكنه مؤيد لفكرة ترميمهغا خصوصا أن أسواقا مثلها اختفت وحلت محلها أسواق جديدة لا تحكي عن تاريخ هذه الأسواق ومكانتها عند أجيال أبائنا وأجدادنا.
في سنغافورة وفي عواصم أوروبية مثل لندن وروما نجد كيف هي المباني القديمة مصونة من العبث والهدم بسبب الحماية القانونية والمعايير التي تطبق في الحفاظ عليها بما فيها الأسواق التي حتى لو واكبت العصر الحالي تجدها محافظة مع مقاهيها ومحلاتها على طابع الحي أو المنطقة القديمة من دون المساس بتشويه واجهات مبانيها الأمامية بتصاميم تؤثر على شكل المبنى العام أو على الحي نفسه.
وقد يكون الإيطاليون من أكثر شعوب العالم حبا وشغفا لمبانيهم وآثارهم القديمة التي لا يمكن للزائر أن يتجاهلها خصوصا في العاصمة روما التي تبدو كمتحف مفتوح من روعة وجمال المباني والأثر الباقي عليها بما فيها أسواقهم الشعبية والعصرية التي لم تهدم وتشوه.
الكثير من المختصين وتحديدا من الأوروبيين زاروا البحرين في مراحل مختلفة وكتبوا الدراسات والبحوث عن تطور الفن المعماري البحريني بكل أنواعه ونشروا كتبا عن ذلك بمختلف اللغات... وهذا كله لكون تراثنا يحمل قيمة إنسانية كبرى في تقديراتهم بينما نحن هنا للأسف نقلل إن لم نكن واقعا نحقر هذا التراث ونستهين به كما نفعل مع قبور حضارات البحرين القديمة من دلمون وتايلوس في مواصلة ردمها وتخريبها من أجل فقط ملء الجيوب لا أكثر.
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 1630 - الأربعاء 21 فبراير 2007م الموافق 03 صفر 1428هـ