أن أكون «الآخر» مفهوم جديد نسبيا بالنسبة لي. رغم أنه لم يعجبني في يوم من الأيام أن يشار إلي بأنني «الابنة الأخرى» فقد اعتدت على الوصف بأنني «الوسيطة في التبادل بصندوق فيدرالي» أو «الوالدة المتطوعة الأخرى» أو «المدرّسة الأخرى في مدرسة الأحد». وأنا بالتأكيد فخورة بحقيقة أنني لم أكن يوما «الامرأة الأخرى» أو «الزوجة الأخرى».
ولكن هل أرغب أن أكون «الأخرى» عندما يعني ذلك ضمنيا أنني أقل مصداقية أو ثقة بطريقة ما، أو أقل أميركية أو حتى أقل إنسانية؟ قرأت افتتاحية نيكولاس دي كريستوف الممتازة «الدفع باتجاه جعل أوباما الآخر»، بأجزاء متساوية من الرعب والخوف. ورغم أنني أدرك أن السياسة لعبة قذرة، إلا أن التكتيك الأخير المتمثل في «تحويل المرشح إلى مسلم، بل حتى المسيح الدجال» يبدو لي خاطئا لدرجة أنني أفقد حياله القدرة على النطق.
والآن وقد أخذت نفسا عميقا وهضمت احتمالات البيئة الاجتماعية السائدة، لم أستطع أن أكون فاقدة النطق أكثر من ذلك. أصبح تعريف الشخص بالمسلم رسميا لطخة وإساءة. لماذا يتوجب علَيَّ أن أتكلم ضد هذا النوع الجديد من الإجحاف الديني؟ حسنا، إذا لم أفعل ذلك، لن أستطيع لوم أحد لأنه أساء فهمي. وهناك الكثير من سوء الفهم الطوعي هذه الأيام.
ليست النزعة الإنسانية لخلع صفة «الآخر» على هؤلاء الذين نخافهم أمرا جديدا. من ناحية تاريخية. علينا فقط أن ندرس معاملتنا للأميركيين الأصليين والأميركيين من أصول إفريقية واليابانيين إبان الحرب العالمية الثانية واليهود والكاثوليك وكل موجة قتالية من المهاجرين. القائمة طويلة. لذا يبدو اليوم أنه قد جاء دور المسلمين لتسلم هذه المعاملة المفضلة بشكل مزعج، حيث يجري هذه المرة فرزهم كمجموعة دينية اعتمادا على تطرف بعض المتطرفين القلائل.
تزعجني هذه الدفعة باتجاه فرز المسلمين الأميركيين لأنها لا تتم من أجل إطراء عبقريتنا وذكائنا، وإنما تعتمد في الواقع على مفهوم أن إضفاء صفة «الآخر» علينا يجعل من السهل التمييز ضدنا. إذا لم نكن أميركيين بشكل كافٍ فسوف لا نستحق الحريات المدنية التي يحصل عليها كل مواطن حسب الدستور وقائمة الحقوق.
في السنة الماضية وأثناء مشاركتي في تقديم كتب جديدة ذات علاقة بنشر «دليل الأميركي المراهق المسلم» سنحت لي ولأولادي المراهقين فرصة فريدة لطرح أسئلة من شريحة مقطعية من الأميركيين، من الطلبة وكبار السن ومجموعات الشباب المتدينين والمحامين والناشطين عبر الأديان والمتهكمين.
كان السؤال الذي يطرحه المواطنون الأميركيون هو نفسه دائما: «لماذا لا يرفع المسلمون أصواتهم عند هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول ولماذا لا يدينونها؟» يبقى هذا السؤال، بعد مرور سبع سنوات على الحدث، أكبر احتجاج ضد المسلمين. بغض النظر عن ردنا المتواصل: «لقد رفع المسلمون أصواتهم فعلا، ولكنكم لم تسمعونا»، ما هو الشيء الإضافي الذي يمكن أن نفعله لإقناع الأميركي العادي أن المسلمين لا يساندون هجمات 11 سبتمبر، وأن الإسلام دين سلام وأن الأميركيين المسلمين يؤمنون بالديمقراطية والحقوق المدنية للشعوب كافة؟
من الواضح أن التيار الرئيسي في أميركا لم يسمع صوتنا، رغم أن الكثيرين منا مستمرون في شجب وإدانة الهجمات بشكل مؤكد. ولكن يتوجب علينا أن ننتقل إلى ما وراء التعاريف حول هويتنا، حتى يتسنى لنا أن نضع بصورة أفضل كنه هذه الهوية.
وما يُزعج أكثر، آخر جولة من الرسائل الإلكترونية التي تسعى إلى نزع المصداقية عن أي متحدث مسلم اعتمادا على مفهوم أسيء فهمه بشكل واسع حول حماية الذات. أنا مسلمة، ولم أسمع هذا التعبير من قبل حتى السنة الماضية، عندما قال أحد الحضور أثناء عرض للكتاب: «أعلم أنك تكذبين لأن دينك يطلب منك أن تخدعي غير المسلمين إلى أن تحتلوا العالم».
حسنا، أين يذكر القرآن الكريم ذلك؟ الآية القائلة «من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم» (النحل: 106) محرفة لتدعم الادعاء بأن القرآن يشجع المسلمين على الكذب رغم أن هدف هذه الآية هو القول بوضوح أن التغطية على إيمان المرء بالإسلام لا يسمح به إلا إذا كان المرء عرضة للتهديد بالأذى.
وإذا بحثت عن هذا التعبير في الإنترنت فسوف تجد سلسلة من المواقع المعادية للإسلام تشرح بشكل ملتوٍ هذا المفهوم، بأسلوب يهدف إلى إيجاد الخوف من جميع المسلمين في قلوب القراء. تقوم حتى موسوعة ويكيبيديا والموسوعة البريطانية بشرح هذا التعبير بأسلوب ضعيف، ولكنها تلمّح ضمنيا إلى مستوى من الخداع من جانب المسلمين. إلا أنه لا يوجد مسلم واحد قابلته يؤمن أن ديانته تشجع، دعك من أن تطالب، بذلك بأي شكل من أشكال الكذب.
الإعلام في التيار الرئيسي صامت إلى درجة بعيدة حول هذا الموضوع. قد لا يكون قد ظهر على شاشات راداراتهم بعد. وقد يكون مربكا جدا، وخاصة لإنسان من الخارج. أو قد يكونوا ما زالوا عالقين بالمفاهيم العتيقة للإعلام: مَنْ، ماذا، متى، أين، لماذا. بدلا من إلقاء اللوم على القاعدة، يجري وضع جميع المسلمين بطريقة ما تحت المجهر أو منظار القناص. ولكن هذا لا يعني أنه يتوجب علينا أن نتوقف عن محاولة الحد من المفاهيم الخاطئة حول الإسلام والموجودة بشكل واسع في أميركا.
لم يعد التبرير القائل «لست عالما» أو «لا أعرف ماذا أقول» كافيا. يتوق الناس لأن يسمعوا من مسلم، أي مسلم. لذا ارفعوا أصواتكم. اشرحوا القليل الذي تعرفونه واعترفوا بما لا تعرفونه. المهم أن تبدأوا الحوار.
*مصرفية استثمارية متقاعدة ومعلمة في مدارس الأحد وناشطة في مجال الأديان ومؤلفة مشاركة لكتاب «دليل المراهق الأميركي المسلم»، مع ابنتها ياسمين وابنها عمران، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2248 - الجمعة 31 أكتوبر 2008م الموافق 01 ذي القعدة 1429هـ