ليست مهمتي المدح أو القدح، أو بعبارة أخرى ممارسة الردح الإنشائي في حق الناشطين السياسيين أو الحقوقيين أو من زاوج بين الاثنين. ولكن الخوف مما كنا منه نحذر، أي الانزلاق ناحية قلاقل طائفية وفتن واحتراب داخلي استعرت ناره في العراق، وبدأت الفتنة تطل برأسها على المجتمعات الخليجية. والبحرين مرشحة لذلك الانهيار إن لم يتدارك العقلاء الوضع، وذلك بتداعي النخب البحرينية للدفاع عن السلم الاجتماعي والأهلي العام من جانب. واعتنى الساسة ومن بيدهم سلطة القرار بإصلاح الاقتصاد السياسي ووضع ركائز الحكم الصالح وترسية دعائم التوزيع العادل للثروة في هذا الوطن من جانب آخر.
الانجراف التام خلف معاهد شبيهة لـ «انتربرايز» هو نقطة تحول مركزية، وهو مفترق طرق للمطالبة بالحقوق الأساسية للأفراد. وعلى الإخوة الذاهبين إلى تلك المعاهد مراقبة انعكاسات تلك الزيارات التي يقومون بها في البحرين، إذ المسألة الحقوقية ليست إحراج طرف الحكومة أو إضعاف موقفها في الخارج، بل هو عمل يرتكز إلى حاجة المجتمع للتطور السياسي المناسب، وتوسيع المشاركة الشعبية في صنع القرار الوطني، مع الحفاظ على السلم الأهلي العام في المجتمع وإبقائه بعيدا عن التوترات ذات الصبغة الطائفية أو الإثنية أو العرقية. ومن السذاجة الاعتقاد أن تلك المعاهد هي مفيدة للمطالبة بالحقوق السياسية والاقتصادية للشعوب العربية!
في بداية الندوة التي أقامها معهد «أميركان انتربرايز» تقول السيدة بلتكا «من أجل بحرين ديمقراطية ملتزمة ومتوازنة». وهل هناك بحريني يكره ذلك الأمر؟ ديمقراطية ملتزمة ومتوازنة! ولكن عن أي التزام، وأي توازن، فضلا عن أية ديمقراطية أساسا، تتحدث هذه السيدة؟!
هل تتحدث «بلتكا» عن ديمقراطية العراق و«التشطير العمودي» للمجتمعات الخليجية وخلق كنتونات طائفية وجيوب استئصالية؟!
لا يشك عاقل في أن من زج العراق في أتون المطحنة الطائفية هي الإدارة الأميركية مستندة إلى بطانة سيئة لا تريد الخير للمنطقة العربية بأسرها يقبع على رأس تلك البطانة أشباه هذا المعهد، ومن يقومون عليه وعلى رأسهم اليمينيون المتطرفون من «ريتشارد بيرل» و «بول وولفيتز» وغيرهم من المعروفين بمخططاتهم.
ثم، هل يحق للسيدة بلتكا أن تتحدث عن ديمقراطية العراق وإلتزام وتوازن ديمقراطي؟! لا يحق لها ذلك أبدا! وكان عليها البحث عن بدائل للسياسة الأميركية الخائبة في العراق وإخراج الإدارة الأميركية من الورطة التي زج بها الرئيس واتباعه والذين انساقوا خلف توصيات «انترابرايز»! هذه نقطة ارتكاز أولية لمعرفة كيف يعمل هذا المعهد وأشباهه، وما هي أهدافه وأولوياته. وهذا مدخل لما سنتعرض له في هذه السلسلة.
صاحب التقرير المثير للجدل في البحرين قدم في بداية حديثه في معهد «انتربرايز» على أنه يتمنى أن يتم «وأد الفتنة والصراع... درهم وقاية خير من قنطار علاج». كان ينبغي من صاحب التقرير هذا أن يقدم العلاجات التي تعتمد الحوارات الوطنية للوصول إلى توافقات مجتمعية، بدلا من دعوة صريحة للتدخل في شئون الدول، مخترقا بذلك القانون الدولي والأعراف الدولية، بل متجاوزا قوانين التغيير التدريجي للوعي المجتمعي. وأجزم أن ذلك يُعد تجاوزا لمعادلات الواقع السياسي في المنطقة. إلى هنا ونصل إلى بداية الطريق الخاطئ للإصلاح. وللحديث صلة.
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 1629 - الثلثاء 20 فبراير 2007م الموافق 02 صفر 1428هـ