العدد 1629 - الثلثاء 20 فبراير 2007م الموافق 02 صفر 1428هـ

تقرير الانتخابات... لنعمل بجوهر التوصيات نحو تشريع وطني

فريدة غلام إسماعيل comments [at] alwasatnews.com

قرأت تقرير اللجنة المشتركة للجمعية البحرينية للشفافية والجمعية البحرينية لحقوق الإنسان لمراقبة الانتخابات النيابية والبلدية، كاملا وبتمعن، تجنبا للتأثر بالأحكام والتصريحات التي قرأناها على الصحف، ولسبب آخر وهو اهتمامي بموضوع الانتخابات ومتطلبات إنجاحها كإحدى اللبنات الأساسية في البناء الديمقراطي، خصوصا عندما تكون الممارسات الرسمية نزيهة ومحايدة.

قبل البدء بطرح أية ملاحظات ينبغي تقديم التحية لأعضاء اللجنة كافة على سعيهم المتجدد والشكر والتقدير لكل المراقبين المتطوعين على وقتهم الخاص وتحملهم العناء نحو التأسيس لعمل ذا أهمية بالغة لضمان صدقية التمثيل الشعبي في الهيئات المنتخبة في المستقبل.

في هذا المقال الذي قد يتبعه آخر، سأتناول بعض النقاط التي أوردها التقرير ولكن من منظور أهلي عام، وبعيون من انخرط بعمق وعن قرب في الانتخابات السابقة وحظي بشرف التعامل والتداول مع عدد غير قليل من الناس وبالاستماع لآرائهم وشهاداتهم الميدانية التي نقلوها بعفوية ووعي بالغين. التقرير تطرق لنقاط في غاية الأهمية وشمل مناطق شجاعة متفرقة، ولكنه باستخدام أسلوب صياغة ومصطلحات مخففة كثيرا، حفاظا على ما يبتغيه من دور حيادي، دفع البعض لوصفه بالمقولة العامة «أحر ما عندي أبرد ما عنده» وسقطت أهمية كثير من النقاط الساخنة لأنها جاءت ضمن هذا السياق المخفف والمتحفظ عموما.

ربما كان التقرير سيحظى بترحيب أوسع لو كان قد عكس شيئا من آراء المواطنين ومن حرقتهم ومشاهداتهم في الدوائر المختلفة، وفق عينات غير منحازة، وعبر المقابلات الشفوية أو غيرها... كأدوات للقياس بالإضافة إلى استمارات التقرير التسع. فالكثير من المواطنين ومن المشاركين في الحملات الانتخابية مازالوا يشعرون بالغضب إزاء الانتهاكات الانتخابية وآليات دعم بعض المرشحين غير المشروعة والملموسة على الأرض، ومن تحت الطاولة وفوق الطاولة، من دون أن يستطيعوا الإثبات لأنهم ليسوا اختصاصيي تحري ولكنهم ببساطة بحرينيون نزيهون... يمتلكون عقولا ومنطقا وخبرة بالناس في دوائرهم. كانت حربا مستعرة استخدمت فيها الإشاعات وحملات التشهير الوضيع والأموال الخيرية وتبرعات الممولين ومصادر وموارد الجمعيات الإسلامية وما قيل عن تهديدات وتوجيهات جاءت من بعض المسئولين، بشهادة أقرباء الموظفين المرعوبين من دون أن يكون لهم حول ولا قوة. هؤلاء كانوا في المعمعة وفي بؤرة الحوادث وكانوا مستهدفين وجرى عليهم التأثير، ولكن كيف لهم أن ينطقوا. هذا ما قاله الناس في الخيم الانتخابية مرارا وتكرارا... قالوها متحدين خوفهم ولا أعتقد أنهم كانوا يكذبون.

القوائم الانتخابية لناس وناس... والمراكز العامة للمعالجات الطارئة. يذكر التقرير إحدى عشرة ملاحظة عن القوائم، غالبيتها، تمثل انتهاكات أو أخطاء أو تسريبات من قبل من يمتلك مصادر المعلومات، ويقر التقرير بتوافر الكثير من الإثباتات على حصول بعض المترشحين من دون غيرهم على قوائم الناخبين قبل الموعد القانوني للتسليم، وكذلك توافر الإثباتات لتسلم بعض المترشحين من دون غيرهم القوائم بالعناوين ما أعطاهم ميزة نسبية على منافسيهم.

على رغم سلاسة صوغ استنتاج التقرير في الصفحة 18 والقائل «إن اللجنة لا تستطيع أن تكوِّن رأيا نهائيا في قوائم من يحق لهم الاقتراع لعدم توافر المعلومات الضرورية لتحديد رأي موضوعي وقاطع...»، نقول على رغم سلاسة الصوغ إلا ان الاستنتاج يشير من وجهة نظرنا إلى أزمة خطيرة تستفحل يوميا في هذا البلد وهي أزمة إخفاء المعلومات وحصرها على مؤسسات وشخوص الموالاة. واستنتاج التقرير لا شك يعكس معاناة اللجنة المشتركة للرقابة، إلا انه لا يشكل شيئا يذكر مقابل المعاناة التي تحملها مرشحو المعارضة. ولو كان إخفاء المعلومات جمعيا لهان الأمر فالمساواة في الظلم عدالة كما يقال، ولكن لماذا يتم تمكين البعض من آليات التواصل مع الناخبين مبكرا في حين يحرم الآخرون. أليس في هذا مخالفة دستورية لمبدأ المساواة بين المواطنين وتكافؤ الفرص، وأليس في ذلك دعم مبطن لبعض المرشحين على حساب غيرهم من المغضوب عليهم، وأين دور اللجنة العليا للانتخابات.

المترشحون «المساكين» صرفوا الكثير من الجهد وصرفوا المال ليحصلوا أولا على نسخة إلكترونية مطبوعة، فحتى النسخة الالكترونية استكثروها على المرشحين أو بعضهم كما يبدو. وجمع هؤلاء المترشحون العناوين وأرقام هواتف الناخبين بوسائل بدائية كالطرق على الأبواب والتدقيق المضني في أدلة الهواتف، والبعض كان محظوظا لامتلاكه علاقات ومصادر معلومات... وطبعا راحت على من كان بدائرته ثمانية آلاف ناخب أو تسعة آلاف أو أكثر، وتوكل على الله، وكأن المشكلة لم تنبع من هندسة توزيع الدوائر ومن قرر تلك الهندسة المنتهكة لمبدأ المواطنة وتساوي ثقل الصوت الانتخابي، بل كانت مشكلة المترشح وليتحمل ما يتحمل.

أفهم من استنتاج التقرير ببساطة أننا كمواطنين لا نعلم نسبة الأسماء الوهمية التي قد تكون مقحمة في القوائم لاستخدامها في ترجيح فلان ضد فلان، وأننا لا نعلم نسبة الأموات الذين زجت أسماؤهم في القوائم لذات الغرض، ولا نعلم نسبة الأجانب غير البحرينيين الذين لا يحق لهم التصويت وربما صوتوا فعلا، ولا نعلم نسبة من تم حرمانه خطأ أو عمدا من ممارسة حقه في التصويت. ولا نعلم الحقيقة بشأن وجود الكتلة المتحركة أو الطائرة التي قدرها بعض المترشحين بثمانية آلاف ناخب غير مسجلين في جداول الانتخاب. إذا كنا لا نعلم كل هذا فهل يمكننا الثقة بنزاهة عملية التصويت وصواب النسب المئوية للمترشحين ومرشحي الموالاة على وجه الخصوص، خصوصا مع وجود المراكز العامة المشبوهة. هذه المراكز التي قال عنها التقرير «أنه ليس هناك من دليل مادي لدى اللجنة المشتركة يمكن أن يشير إلى أن إلغاء المراكز كان يمكن أن يؤدي إلى نتائج مختلفة عن تلك التي تم الإعلان عنها، إلا أن إلغاءها كان سيؤدي بلا شك إلى تعزيز القبول بنتائج الانتخابات وكسب المزيد من ثقة الرأي العام بالنتائج النهائية التي تم الإعلان عنها».

ما أفهمه من هذا الاستنتاج المطاط أن النتائج في الأرجح كانت صحيحة وأنه لا مدعاة للشك في الوقت الذي يذكر فيه التقرير في فقرة سابقة التباين في اتجاهات التصويت بين المراكز العامة والخاصة في دائرتي عبدالرحمن النعيمي والدكتورة منيرة فخرو وبطريقة توحي بأنهما تعرضا للتزوير... بالنسبة إلي أدت صياغة الاستنتاج الفضفاضة إلى نفي الإيحاء بإمكانية التزوير في دائرتي النعيمي وفخرو، فلم هذه الصياغات المطاطية. علينا الاستمرار بطرح أسئلة على غرار: لماذا كان الإصرار على إنشاء المراكز العامة وصرف تلك المبالغ على تجهيزها؟ ومن أعد القوائم وكيف تم توظيفها ولم الإصرار على عدم تسليم قوائم المقترعين الفعليين للمترشحين للمطابقة؟ ولم لم تسلم اللجنة العليا للإشراف لجنة المراقبة لوائح الناخبين على رغم من الطلب الرسمي؟ ولم ترض بمراقبة المنظمات الدولية من خارج البلاد؟ ولم رفض رؤساء لجان الاقتراع والفرز في ثمانية مراكز عامة رفضا قاطعا تسليم نتائج الفرز للجنة المراقبة على رغم محاولات لجنة المراقبة المتكررة ؟ ومرة أخرى أين كان دور اللجنة العليا للإشراف؟

المشكلة كما أراها مشكلة تحجر الذهنيات وعدم الاستعداد الحقيقي لمتطلبات تنفيذ الديمقراطية. إن عقليات كهذه تعلمت أخيرا أن تدع الناس يقولون ما يريدون، نسبيا، ثم تفعل ما تريد هي من وراء الكواليس، هي أيضا من يتسبب في عدم ثقة الناس فيها... هذا ما يتداوله الناس في أحاديثهم اليومية. وللحديث بقية.

إقرأ أيضا لـ "فريدة غلام إسماعيل"

العدد 1629 - الثلثاء 20 فبراير 2007م الموافق 02 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً