العدد 1629 - الثلثاء 20 فبراير 2007م الموافق 02 صفر 1428هـ

رضوان السيد في مركز الشيخ إبراهيم

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في الثامنة من مساء الإثنين الموافق 19 فبراير/ شباط الجاري، احتضن مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة رضوان السيد في محاضرة حملت عنوان «مقولة صراع الحضارات وآثارها الثقافية والاستراتيجية». وقبل تناول ما ورد في تلك «المقولة» من أفكار وطروحات لابد من التنويه إلى ما يميز المحاضر من سواه من الباحثين والمفكرين الإسلاميين. لقد نجح السيد أكثر من سواه من خريجي جامعة الأزهر في أن يمزج برشاقة بين غنى الدراسات الفقهية والشرعية التي تلقاها في مدرسة الأزهر، مع حصافة التحليل العلمي ودقة المعالجة التي اكتسبها خلال دراساته الاستشراقية في معهد توبنغن في ألمانيا. لذلك فهو أزهري الخلفية، استشراقي المعالجة، وهو ما جنّبه محافظة الأزهر وبعض مثالب الاستشراق.

استهل السيد محاضرته بمدخل مكثف عن مقولتين هما «نهاية التاريخ» لفرانسيس فوكويوما، والتي تركز على انتصار الديمقراطية الليبرالية على الاستبدادية الشيوعية... و «صراع الحضارات» لصموئيل هنتنغتون القائلة إن «الصراعات ما عادت صراعاتٍ استراتيجية داخل العالم الغربي أو أقطابا جيوسياسية، بل صارت صراعاتٍ بين الثقافات أو الحضارات الحية الباقية... البوذية والإسلامية». الجديد فيما أدلى به السيد أن هذه الطروحات النظرية تحولت إلى استراتيجيات تعمل بموجبها أقوى دولة في العالم التي هي الولايات المتحدة الأميركية. وقد بدأ ذلك فترة ولاية ريغان الجمهوري، ولم يطرأ عليها أي تغيير خلال ولاية كلينتون الديمقراطي، لتعود مرة أخرى إلى أحضان الجمهوريين في عهد بوش الابن.

وضع السيد مجموعة من السيناريوهات التي ستلجأ إليها الولايات المتحدة في حال فشل أو نجاح مخططها في العراق - على رغم أن السياق العام لمحاضرته كان يبشر بفشل المشروع الأميركي في العراق - التي يرى السيد أن جميعها لن تكون في صالح العرب. وهنا يرفع راية تحدٍّ حمراء توضع في مواجهة الفكر العربي بمختلف مدارسه: إسلامية، قومية، قطرية، ماركسية، وعلى مستوى المؤسسات التي ينشطون فيها سواءٌ أكانت سلطوية أم معارضة. وعلى هذا الصعيد، يرصد السيد أربع مشكلات ستواجهها وستشكو منها المجتمعات العربية في مرحلة ما بعد سقوط العراق:

1 - المأزق الناجم عن الجمود السياسي والتراجع الاستراتيجي.

2 - اختلال العلاقة بين الدين والدولة.

3 - سوء العلاقة بين العرب والغرب.

4 - التخثر والضياع الثقافي والمعنوي.

واختتم السيد محاضرته باستنتاج في غاية الجرأة يقول فيه: «الواقع أننا مثقلون الآن بالجروح، وأعمقها جرحا فلسطين والعراق، ولكن الأوحدية القطبية تحطمت على صخرة المقاومة الأصولية المتشددة. وبالوسع القول إنه في الوقت الذي ينكمش فيه ذلك الوجه العدواني للهيمنة، فإن الأصولية المتشددة تنكمش أيضا وتتراجع. نحن مثقلون بالجروح، ولكن الحرب التي أشعلتها مقولة صراع الحضارات توقفت. والمطلوب الآن معالجة الجروح، واستعادة الدولة والمشروع والتعامل مع العالم استنادا إلى هذا المشروع الذي يقتضي الإسهام المتبادل، والاعتماد المتبادل».

كان ذلك تكثيفا شديدا لما حملته محاضرة رضوان السيد من أفكار، إذ نجحت المحاضرة في توصيف العلاقة بين القوى السياسية العربية بما فيها الإسلامية - حكوماتٍ ومعارضة - مع بعضها بعضا، وبينها متحدة او متناحرة مع القوى العالمية الأخرى ومن بينها الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي قبل سقوطه.

كذلك تناولت المحاضرة - ومن منطلقات جريئة - العلاقة بين القوى الإسلامية ومؤسسات الدولة في الوطن العربي، وشخصت مساحات التعاون التي وصل بعضها إلى مستويات الاستتباع، وهوامش التناحر التي بلغت مستوى النفي والاستبدال.

لفتة مهمة جاءت بها المحاضرة وتلك هي تراجع القوى القومية والماركسية في الساحة السياسية لصالح القوى الإسلامية، موضحة أسباب ذلك التراجع ومقومات ذلك التقدم. وأتبعت ذلك بإبراز العامل المشترك الذي يجمع تلك القوى كافة والذي أوصلها إلى «المأزق والتخثر اللذين تعانيهما تلك القوى على حد سواء».

محاضرة رضوان أثارت الكثير من الأسئلة التي هي بحاجة إلى المتابعة، وكلنا أمل في أن يواصل مركز الشيخ إبراهيم استضافة المزيد من العقول العربية المتنورة التي تثير المزيد من الأسئلة والتحديات التي يحتاج إليها العقل العربي المعاصر كي تساعده على تحريك ذلك التخثر.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1629 - الثلثاء 20 فبراير 2007م الموافق 02 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً