انتقد عضو اللجنة المركزية بجمعية «وعد» عبدالله جناحي تجاوز وزارة الداخلية خطوة إحالة الحوادث الأمنية الأخيرة إلى النيابة العامة، مشككا في صدقية الاعلان الصادر عن الوزارة بشأن اكتشاف مجموعة من الشباب تتدرب على استخدام المولوتوف تحت إمرة رجل ملثم غير معروف الهوية مع شباب لا يعرفون بعضهم بعضا في تواقيت محددة ودقيقة.
وأضاف جناحي « وحيث ناشد الاعلان أو التصريح الصحفي لمسؤول في وزارة الداخلية، الاقلام الشريفة والسياسيين والجمعيات السياسة ورجال الدين وأصحاب الرأي المساهمة في بث الكلمة الخيرة وابداء النصح فان واجبنا ان نلتزم بذلك ونناشد الشباب برفض العنف واستخدام وسائل الحرق والتخريب للممتلكات العامة والخاصة، بجانب التعامل الحضاري مع رجال الشرطة والامن والمخابرات، وان يلتزم الجميع بالقانون ودولة المؤسسات»، معقبا « غير أن المناشدة والنصائح وحدها لا تكفي أمام مثل هذه الظواهر والمحطات السياسية، تماما كما اشار الاعلان نفسه بأن الحلول الامنية وحدها ليست كافية لمواجهة هذه الانشطة الهدامة».
وقال «وقفت طويلا امام هذا التصريح الصحفي الخطير لوزارة الداخلية، ولزاما علي ان احلل اولا ابعاد هذا الاعلان واطرح رؤيتي بشان الحلول المثلى لاضعاف حالات التطرف والتخريب التي تبرز بين الحين والآخر في مجتمعات لم تستكمل فيها مقومات الدولة الديمقراطية الحقة، ولم تتوفر فيها مبادئ المواطنة والمساواة والتوزيع العادل للثروة الوطنية، وغيرها من المتطلبات الرافعة والدافعة للاستقرار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي».
وأشار جناحي الى « ان مقدمة الاعلان المذكور توحي للراي العام بوجود مؤامرة دقيقة وتنظيم سري أدق، حيث لا يعرف المشاركين فيها بعضهم البعض ويعملون بشكل سري. وهو تضخيم خطير وفرضية سابقة من المفترض أن يتم التأكد منها قبل تعبئة الراي العام وتخويفها، خاصة وان هناك صحف واقلام وجمعيات واجهزة كشفتها التقارير السرية تعمل لاستغلال أي حدث وتجييره لزيادة الفتن الطائفية وشق الصف، وخلق اصطفافات ليست فقط طائفية ومذهبية بل وسياسية، ضد المعارضة الوطنية وضد أي تيار او شخص ينتقد أداء الحكومة وينتقد أداء اجهزة الأمن وممارساتهم التي تخرج كثيرا عن روح القانون، من اقتحامات لبيوت المواطنين وضربهم، او مداهمة الناشطين واعتقالهم تحت حجة توزيع المنشورات، او اعتقال اصحاب الراي المخالف... وحيث ان دعوة اعلان وزارة الداخلية المتقدم ذكرها تنادي بالالتزام بالقانون وتحقيق الاستقرار فأن الاولى منها ان تدعوا ايضا رجال الامن الالتزام بالقانون وعدم خرقه، وممارسة الشفافية وروح الديمقراطية والايمان بالاختلاف في الرأي والرأي الاخر، وعدم التعبئة غير الصحيحة والتي لا تخدم الامن الاجتماعي والاستقرار المنشود».
وبحسب جناحي فان «الاعلان المذكور بجانب خلق ايحاء مسبق بوجود تنظيم سري تخريبي، فهو يؤكد بان تدريب الشباب على القيام بتلك الانشطة تستهدف ضرب حالة الاستقرار والامن لتحقيق اهداف بعيدة المدى!! وأن هذه العمليات تسير وفق مخطط مدروس بهدف زعزعة الاستقرار، وانها ليست ردود فعل عفوية للاعتراض على بعض الاحداث العارضة!! وبتأمل لهذه الفقرات الخطيرة ايضا فانها تعني ان وزارة الداخلية قد حسمت أمرها دون انتظار حكم القضاء والمحاكمة بان وراء اعتقال اثنان من الشباب حاملي زجاجات المولوتوف مخطط بعيد المدى دون تبيان التفاصيل او الانتظار للتاكد من صحة ( المؤامرة)».
وقال « ان هذه اللغة وطريقة كتابة التصريح بروح أمنية قديمة تذكرنا بمؤامرات جهاز امن الدولة ابان عهد هندرسون والقمع، حينما كان هذا الجهاز ينوي تنفيذ مخطط لضرب واعتقال الناشطين في الحركات الوطنية في السعينيات من القرن الماضي، بل هي ذاتها اللغة التي استخدمت في الثمانينات والتسعينات ابان صعود الحركات المعارضة الاسلامية، حيث كان هذا الجهاز يمهد اعلاميا بوجود مخاطر سياسية وامنية ومؤامرات خارجية شيوعية او ايرانية، ثم يكشف عن اعتقال بعض العناصر، ثم يعرضهم امام الاعلام والتلفزيون، ثم يقدمهم لمحكمة امن الدولة لتصدر احكامها غير القانونية».
واعتبر جناحي ان « الأمر اختلف بعض الشيء في وقتنا الراهن واهدافها تطورت لما تخدم الترتيبات السياسية الجديدة، والعمل بكافة الوسائل لاقناع الهيئات التشريعية والمحاسبية - إن وجدت فعليا - بالدفع نحو اصدار تشريعات تقيد الحريات وبمنع الاحتجاج على اية اجراءات ستقوم بها اجهزة الامن، وما يرجح اعتقادي هذا مضمون الاعلان المذكور الذي اشار بعد المقدمات بوجود مؤامرة مخططة لها وسرية وبعيدة المدى في اهدافها، حيث ينتقل الاعلان الى ان اجهزة الامن ستعمل على كشف الملابسات وخيوط وابعاد هذه القضية والوصول الى (جميع المتورطين!!) لوضع الحقائق كاملة امام أعضاء المجلس الوطني، و أجهزة الاعلام، و جميع المعنيين... ولكن اين النيابة العامة واين السلطة القضائية، الجهة المسؤولة الاولى لمثل هذه الملفات الامنية الخطيرة، وبالتالي اين دولة القانون في مثل هذا الاجراء الذي يهدف ليس للعلاج الصحيح والبعيد عن الحلول الامنية بل لترك الاعلام ان ياخذ مداه في التحشيد الطائفي».
وتساءل جناحي «لم لم تعرض حوادث سابقة أمنية امام المجلس النيابي والاعلام وحصرت وانتقلت الى النيابة العامة، بل ان ملف التقرير المثير للرأي الذي تم فيه ادانة معده بالخيانة وقلب النظام قد تم اغلاقه وترحيل المتهم الاول ومنع الاعلام من الكتابة فيه؟ اليس هناك تناقض صارخ في سياسات وزارة الداخلية تجاه مثل هذه الحوادث الامنية؟»
وأضاف « ان ما سبق من تحليل وتفكيك للتصريح المنشور لاحد المسؤولين في وزارة الداخلية لا يعني احتمالية وجود مجموعة من الشباب قد قاموا بالتدريب على المولوتوف او عدم وجود هذه الاحتمالية، فالامر بالنسبة لي كمواطن لا يملك أي دليل انتظر الاجراءات السليمة والقانونية والحافظة على الامن الاجتماعي والاستقرار السياسي، منتقدا اية اجراءات او تصريحات لا تخدم هذه الاهداف الوطنية ولا تسير ضمن آليات القانون ودولة المؤسسات... ومع ذلك فان دعوة وزارة الداخلية بان الحلول الامنية وحدها لا تكفي لمواجهة مثل هذه الانشطة الهدامة بحاجة الى تاييد اولا، وبحاجة الى قيام وزارات الدولة بما فيها وزارة الداخلية واجهزة الامن بان الايمان والقناعة اولا، وتنفيذ المتطلبات غير الامنية ثانيا، والتي تساهم في القضاء على ظواهر العنف والتخريب وافشال المؤامرات، هي الكفيلة في تحقيق الاستقرار وديمومة التنمية».
وأكد جناحي ان «الجميع في هذا الوطن يرفض اساليب العنف والتخريب والمؤامرات، ولكن على الجهات الرسمية والامنية على وجه الخصوص التشرب بالتحليلات الاجتماعية والنفسية التي اثمرت نتائج عميقة لاسباب قيام الشباب بتفريغ طاقاتهم (الثورية) و(المتذمرة) في اتجاهات خاطئة في ظل غياب المؤسسات والاجواء التي تخدم وتستفيد من هذه الطاقات الشبابية الهائلة لصالح التنمية والابداع والخلق»، معتبرا ان « اولى النتائج الاجتماعية والنفسية مرتبطة بآثار وتداعيات المرحلة الامنية السابقة قبل الانفراج الامني وتهدئة اجهزة الامن بعد التصويت على الميثاق، حيث كان الظلم والعنف يمارس بحق القرى واستمرار التمييز والتهميش والاعتقال، بجانب الاهمال الكبير لاعمار القرى منذ بدايات الطفرة النفطية الاولى بعد حرب اكتوبر 1973م والتي لم تستثمر كتوزيع عادل في اعادة بناء المدن والقرى وتجديد بنيتها التحتية وبقيت اغلبية المدن القديمة كالمحرق وقراها والمنامة العمق وسترة بقراها ومدينة عيسى والرفاع الشرقي مهملة بشكل كبير».
وقال «ان طاقة الرفض وعدم التصالح مع الحاضر لدى هؤلاء الشباب هي نتاج تلك المرحلة والتي ما زالت الكثير من آثارها باقية دون ان يقوم الحكم بمراجعة حقيقية لاغلاق هذه الملفات اغلاقا يحقق العدالة والانصاف، وينهي التمييز ويعزز مباديء المواطنة، ليتم اضعاف اللجوء للروابط الاخرى كالطائفة والقبيلة».
وخلص جناحي الى ان «التحليل السيوسلوجي والسياسي يوكد بان جوهر الازمة هو في عدم تقديم الحلول العلمية والعادلة والمنصفة للازمات السابقة وبقائها تستفحل بدلا من ان تضمر! وهناك اتفاق على حلول تمثل مؤشرات لتحقيق المواطنة الحقة».
وطالب جناحي بتحقيق «وجود حقيقي للحقوق القانونية والسياسية والاقتصادية التي تحقق العدل والمساواة بين المواطنين، بدلا من تنفيذ استراتيجيات ادارة الازمات عبر فرض تشريعات حقوقية وسياسية غير متوافق عليها من قبل اصحاب الشان الذي تمسهم هذه القوانين، كما حدث على صعيد قانون الجمعيات السياسية الذي فرض على العاملين في الحقل السياسي العلني بدلا من التوافق معهم، مما اثمر ردة افعال سياسية ومنها بروز حركة حق الرافضة للقانون المذكور وبعض مضامينه التي تمس الثوابت الدستورية التي ايضا لم تراعى من قبل الحكم وخطط لفرض رأيه جبرا وبقوة قانونه هذا، وخذ على نفس المنوال العديد من التشريعات او الاجراءات التي لم تغلق الملفات وانما تركتها مفتوحة لتدار ضمن نفس الاستراتيجية (ادارة الازمات)، وهي استراتيجية قاتلة حيث تبذل الجهود وتصرف الاموال وتضيع الساعات والسنوات لتنفيذ مخططات بدلا من خلق تشاركية ديمقراطية حقيقية، وهي ايضا نتاج استمرار ازمة الثقة بين اطراف الحقل السياسي الفاعلين. وبالاخص بين الحكم واجهزته والمعارضة السياسية وقواعدها الشعبية».
كما طالب بوجود «ضمانات واضحة بان السياسة الرسمية تسير في تجاه التقارب في الدخل ومستويات المعيشة والتوزيع العادل للثروة الوطنية ومساواة في توفير فرص العمل وفتح المجال في كل مكان لعمل المواطن دون تمييز حسب المذهب او الاصل او الجنس او العقيدة الفكرية».
واعتبر جناحي ان من بين الضمانات الكفيلة بتوجيه طاقات الشباب نحو الابداع والتنمية الشاملة «ممارسة مؤسسات الدولة الديمقراطية الفعلية لا الشكلية، وعدم التناقض بين الاقوال والافعال، حيث لا يعقل مثلا ان نطرح البرلمان الشبابي ونمنع التسييس فيه، وهو المكان الذي يتعلم فيه الشباب التنمية السياسية، او نخفض الاعمار لدرجة يتحول هذا البرلمان الى برلمان الناشئة والصغار، او يمنع من تدخل الشباب الاعضاء في الجمعيات السياسية تحت مخطط اضعاف المعارضة، فاية طاقات شبابية سوف تستثمر في مثل هكذا مؤسسات كسيحة؟ وبالتالي الى اين تتجه الطاقات الشبابية المأزومة الفقيرة المقهورة المتأثرة بقيم المظلومية تاريخيا»
وأكد جناحي «ان دعوة وزارة الداخلية بوجود علاجات غير الحلول الامنية للازمات الشبابية وتاطير طاقاتهم لن تحقق النجاح الا اذا نفذت هذه العلاقة الجدلية بين السياسات الامنية وبينها وبين البرامج الديمقراطية والحقوقية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية... واعتقد بان مثل هذه الاطروحات لم تعرض لأول مرة بل التهبت الحناجر وهي تصرخ بتزاوج الحلول الامنية مع باقي ظاهرات الحياة المحيطة بالشباب».
العدد 1629 - الثلثاء 20 فبراير 2007م الموافق 02 صفر 1428هـ