هل سمعتم عن الاتجار بالبشر من قبل؟ وهل سمعتم عن الاتجار بالبشر في البحرين تحديدا؟ نعوذ بالله! آخرتها... صارت التجارة بالبشر... وفي بلادنا ونحن لا ندري!
سمعنا عن تجارة الرقيق الأبيض في بعض البلدان التي لا تخاف الله، وقرأنا عن تجارة الرقيق الأسود في العالم الجديد، بعد أن قام الأوروبيون بغزو إفريقيا مع بداية اكتشاف القارة الأميركية، وانتزعوا أكثر من 25 مليونا من أراضيهم للعمل عبيدا في مزارع البيض. وكان نصفهم يموت داخل السفن بسبب الأمراض والأوبئة ونقض التغذية، فتُلقى أجسادهم في المحيط الأطلسي حتى شبعت الحيتان وأسماك القرش من لحوم الأفارقة المساكين.
سمعنا أيضا عن تجارة الأطفال في بعض الدول العربية المجاورة، واستخدامهم في سباقات الهجن بعد أن تقوم مافيات البشر بتهريبهم من بلدانهم الأصلية ليعيشوا مع النوق في الاسطبلات، ينامون معها على التبن ويأكلون البرسيم!
كل ذلك سمعنا عنه، أما الاتجار بالبشر في البحرين فلم نسمع عنه، ولكن وزارة التنمية الاجتماعية افتتحت قبل يومين مؤتمرا عنه. ويبدو أن الموضوع جدي؛ بدليل أن الوزيرة فاطمة البلوشي قالت إن «الحكومة تنتظر الانتهاء من المسوّدة النهائية لقانون الاتجار بالأفراد لعرضه على مجلس النواب وإقراره».
إذا... هناك اتجار بالبشر في بلادنا ونحن نائمون! ترى هذا لا يجوز... حرام! والكرة الآن في ملعب الكتل البرلمانية الثلاث، فكلهم إسلاميون، حتى المستقلون في البرلمان الجديد إسلاميون (مو مثل أول)؛ لذلك ما يحتاجون إلى توصية لتمرير هذا القانون بأسرع وقت، وبأسرع مما مرّر البرلمان السابق قانون الجمعيات والإرهاب!
لكن... مادام هناك مؤتمر، وهناك قانون في الطريق للبرلمان، وهناك دعوة من سفير الولايات المتحدة الأميركية الشقيقة للإسراع بتمريره، فلابد أن الأمر يستحق جدية أكبرَ لمحاربة هذه الجريمة العنصرية الكبرى. حتى لو كان السفير مراعيا لمشاعرنا في دعوته إلى إصدار قانون «يحدّ من الاتجار بالأفراد» عندنا، فإن الواجب علينا كعرب ومسلمين، أن نبادر بأقصى سرعة إلى تطويق الموضوع وإيجاد حلولٍ ناجعةٍ قبل أن تستغله قوى الصهيونية العالمية لتشويه بلدنا، فأنتم تعرفون ما تقوم به الامبريالية والصهيونية من مؤامرات لتشويه ديننا الحنيف وتقاليدنا العربية العريقة!
مع ذلك، ومن باب البحث عن الحقيقة، لابد من البحث الجاد عن هذه «البضائع» الجديدة المعروضة في بورصتنا الوطنية! صحيح أننا نقرأ في الصحف المحلية عن انتحار عاملين أو ثلاثة كل أسبوع، ولكن ذلك لا يدخل في نطاق التجارة وإنما الانتحار. كما أننا نقرأ كل شهرين أخبارا عن إغلاق مصنع للملابس وتسريح العاملات فيه، وغالبيتهن مواطنات بحرينيات كادحات، يعملن في ظروف (إشوي صعبة) من الصباح حتى أذان المغرب بمبلغ 80 أو 90 دينارا (حتى في بنغلاديش ما يسوون جذي)، ولكن ذلك يرتبط بتطبيق اتفاق التجارة الحرة مع أميركا، ولا علاقة له بالاتجار بالبشر!
نقرأ أيضا كل يوم عن إلقاء القبض على عصابات الدعارة (نعوذ بالله صارت سهلة على اللسان!)، في بعض الفنادق والشقق المفروشة، وتعرض الصحف صور الوجوه السمحة مغطاة باللون الأسود للستر على عباد الله، ولكن ذلك مرتبط بجهود وزارة الإعلام لتشجيع السياحة «النظيفة» وليس له ارتباط بتجارة الأفراد!
هناك شيء اسمه «عمال فري فيزا»، وهو مصطلح لن تجدوه في أي كتاب اقتصادي أكاديمي أو كلاسيكي، إلاّ في البحرين، فهو مصطلحٌ بحرينيٌ قح، وهناك أرقام (تدوّر الراس) عن هؤلاء الـ «فري فيزا»، بعض اقتصاديينا يقول إنهم 30 ألفا، وبعضهم يقول إنهم 45 ألفا، يدورون في الشوارع و«الزرانيق»، ينتزعون قوتهم اليومي من فتات «اقتصاد السوق» بشق الأنفس، ينامون في بيوت أشبه بالزرائب، لو عاش أحدنا فيها ليلة واحدة لكفر بالله واليوم الآخر واقتصاد السوق!
من صدقكم عندنا اتجار بالبشر؟ صلّوا على النبي عاد ولا (تتطعبزون)؟
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1628 - الإثنين 19 فبراير 2007م الموافق 01 صفر 1428هـ