العدد 1628 - الإثنين 19 فبراير 2007م الموافق 01 صفر 1428هـ

الإعلام الخليجي والتنمية والحلقة المفقودة

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

انعقد في دبي يومي 8 و9 فبراير /شباط اللقاء السنوي الثامن والعشرون لمنتدى التنمية، وكان موضوع اللقاء الإعلام في دول الخليج: دوره التنموي ومساره المستقبلي.

جاء اختبار دبي موفقا لمناقشة الموضوع، فدبي اليوم هي عاصمة الإعلام العربي المتحرر والخاص والمتمثل في أهم الفضائيات العربية، حيث تحتضن دبي مدينة الإعلام والتي تضم عشرات المحطات الفضائية، والصحف ووكالات الأنباء بلغات تضاف إلى العربية، كما تحتضن مدينة تكنولوجيا المعلومات حيث كبريات الشركات العاملة في هذا المجال، وتحضن دبي سنويا عشرات المعارض المهمة بتكنولوجيا المعلومات والبرامج التلفزيونية والسينما وغيرها.

لذلك فقد اتيح للمشاركين الالتقاء بقطب إعلامي هو الشيخ الوليد الابراهيم صاحب الـ (MBC) ووليدتها العربية وكذلك السيد عبدالرحمن الراشد رئيس تحرير الشرق الأوسط والمدير المسئول لقناة العربية، وكلتاهما تتخذان من دبي مركزا لها بل هما في مبنى واحد شارك في اللقاء ما يزيد عن مائة مشارك من أعضاء المنتدى والمشاركين لأول مرة وتميز لقاء هذا العام بدعوة مجموعة من الشباب الذين قدموا دراسة عن اتجاهات الشباب في متابعة وسائط الإعلام الثلاثة (المقروء والمسموع والمرأي).

كما دعيت صحافيات أيضا طرحن همومهن الخاص شارك في اللقاء ثلاثة وزراء سابقين من دول المجلس، وعرضوا تجاربهم في العمل الإعلامي الرسمي. وبالطبع فإن الحاضرين يمثلون مختلف قطاعات المجتمع الخليجي من اكاديمين وإعلاميين وأصحاب أعمال وباحثين وغيرها من دول المجلس الست، وإن كان تمثيل البعض مثل عمان وقطر والبحرين ضئيلا، وقد تكون الكلفة المرتفعة للإقامة قد منعت البعض من الحضور.

وقدمت للقاء أوراق عمل هي واقع الإعلام للدكتور إبراهيم وقضايا الإعلام وهموم الإعلاميين لإبراهيم بشمي والإعلام الخليجي ودوره التنموي ومساره المستقبلي للدكتور حمد الكواري، واتجاهات الشباب الخليجي تجاه وسائط الإعلام أعدها مجموعة من الشباب (مشاري الحمود ومريم الفلاي وخليل بوهزاع وبشار الرفاعي) ولمن يريدا لاطلاع على هذه الأرواق الدخول على الموقع www.df.ae>.

كما شمل اللقاء جلسة كرمت لشهادات الوزراء السابقين والشيخ وليد الإبراهيم، وكالعادة استتبع عرض كل ورقة مناقشة مفتوحة. ثم خصص اليوم الثاني لمناقشة مجمل القضايا المطروحة في اللقاء واقتراحات لموضوع اللقاء التالي وكل ما يتعلق بعمل المنتدى. كما عقدت لقاءات تخصصية (للإعلاميين والأكاديميين والنساء والشباب وأصحاب الأعمال) حيث مجرى نقاشات اللقاء.

واقع الإعلام الخليجي

لاشك أن الدراسات المقدمة للمؤتمر والتي شملت عرضا تاريخيا المسيرة الإعلام الخليجي وواقع الإعلاميين العاملين في الإعلام الخليجي، واتجاهات الشباب تجاه الإعلام ومسار الإعلام الخليجي ومستقبله، قد وفرت معطيات موضوعية لمناقشة الموضوع، وخصوصا أن بعضا استند إلى مسرحات ميدانية لجميع الإعلاميين والجمهور. وجاءت المناقشات لتغني الموضوعات المناقشة، وتخلق حوارا خلاقا واختلافات صحية. حتى مطلع التسعينات كان الإعلام الخليجي بأشكاله الثلاثة (المقروء والمسموع والمشاهد) متخلفا عن الإعلام في ساحات أخرى خصوصا لبنان عوامل عدة أسهمت في تحول الخليج إلى الساعد المتقدمة للإعلام العربي.

الحرب الأهلية في لبنان، دفعت الصحافة والإعلاميين اللبنانيين إلى المهجر وخصوصا إلى لندن وباريس. وقد ترافق ذلك مع الفورة النفطية المتعاقبة والتي وفرت فوائض مالية، التي تبحث عن الاستثمار، وزيادة مداخيل الأسرة الخليجية التي تبحث فيما تبحث عن الترفيه والإعلام، في ظل تطورات سريعة.

ومتلاحقة الخطوة الأولى في إصدار الصحف ثم في إقامة المحطات الفضائية العربية في لندن، بتمويل خليجي وتوجه إلى الجمهور العربي داخل الوطن العربي وخارجه لكن الخطوة الأهم انتقال مؤسسات الإعلام العربية المهاجر (صحف ، إذاعات وكالة الأبناء إلى منطقة الخليج وخصوصا في دبي ضمن ما يعرف بالمنطقة الحرة بدءا بمنتصف التسعينيات والانطلاقة الإعلامية الخليجية لاتقتصر فقط على إقامة مؤسسات إعلامية عملاقة بإمكانيات فنية ومالية وبشرية لا سابق لها، بل في أجواء المنافسة في الفضاء الإعلامي التي أطلقتها محطات فضائية خاصة، تعمل حثيثا للوصول إلى المشاهد أو المستمع وتأمين وموارد مالية من الإعلان المرتبط كذلك بإقبال الجمهور.

كما أن عوامل كثيرة أسهمت في خلق هامش من الحرية كشرط أساسي للمنافسة وتشغيل مشروعات إعلانية خاصة.

الجزيرة وحرب الخليج

يرجع البعض انطلاق الفضائيات المتنافسة في الخليج، إلى حرب الخليج الثامنة أي احتلال العراق للكويت ثم الحرب الأميركية لطرده منها. فمن المعروف أنه كانت المحطة (CNN) قصب السبق في تغطية احداث هذه الحرب ساعة بساعة ولأول مرة في تاريخ الحروب في المنطقة، حيث كان يجري بحث المحطة في المنطقة من البحرين سواء المستقبلي البث المصحون اللاقطة أو بالبث الأرضي، وهكذا كانت انطلاقة البث الفضائي أما الحدث الأهم فهو في انطلاق محطة الجزيرة من قطر العام 1995، والذي حدث هو أن الـ BBC بدأت البث الفضائي التجريبي باللغة العربية عبر قنوات أوربت لكن خلافا بين الاثنين بسبب تغطي (BBC) لموضوع سعودية حساسة، أنهى مشروع (BBC)، فتلقفت قطر الفرصة السانحة، وأطلقت مشروع الجزيرة واجتذبت الكوادر الإعلامية المخضرمة التي تركت الـ (BBC). من الواضح أن قناة الجزيرة قد رفعت سقف حرية ما تتناول الفضائيات العربية، في قضايا عربية حساسة وخصوصا في البرامج الحوارية، وهي أسلوبها المهني المتطور، وانتشار مراسليها وفي مواقع الإحداث الساخنة، وارتباط المتحاورين والمراسلين على الهواء مباشرة، قد قدم للمشاهد العربي نوعية جديدة من المادة الإعلامية.

شكلت الجزيرة رصيدا سياسيا كبير لقطر، مما حفز دولا الأخرى لتتبع خطاها. والتحدث الذي طرقته الجزيرة في الشكل والمضمون أجبر الآخرين على محاولة مجاراتها، وهكذا ارتفعت نسوية الفضائيات الأخرى التي افتتحت تباعا سواء في دبي العواصم الخليجي الأخرى.

واليوم وبعد أن أطلقت الجزيرة محطتها الفضائية الانجليزية من أربع مدن هي كوالامبور والدوحة ولندن وواشنطن، وبطاقم دولي من خيرة الخبرات الإعلامية العالمية، فإنها بذلك تطلق تجربة جديدة في مخاطبة العرب للعالم بلغته، وبالتالي تطلق تحديا للفضائيات الخليجية العربية الأخرى وكما كانت الجزيرة بالعربية رائدة الفضائيات بالعربية، فإن الجزيرة بالانجليزي رائدة الفضائيات الموجهة للعالم.

اليوم هناك ما يزيد عن250فضائية عربية لكن الفضائيات التي تتمتع بنوعية قليلة جدا، فعدد الفضائيات التي يعتمد عليها كمصدر للمعلومات أو لأخبار والترفيه الراقي محدودة جدا، والأغلبية أما محطات فضائية رسمية مملة ومتخلفة، واما محطات تجارية ترفيهية مبتذلة، ومحطات دينية تلقينية أو رياضية.

صحافة لامعة ومحاصرة

إذا كانت اعتبارات الوصول إلى المشاهد عبر الحدود المنافسة سواء بين الدول أو المؤسسات قدر فرضت هامشا معقولا للفضائيات العربية الخاصة، فإن الصحافة الخليجية ظلت حتى الآن صحافة محلية محكومة بقوانين وأوضاع كل بلد خليجي لقد توفرت للصحافة الخليجية الحديثة النشأة إمكانيات مالية كبيرة وتقنية حديثة، واجتذبت كوادر إعلامية عربية كفوءة وتبدو ظاهريا أفضل بكثير من الصحافة في بلدان عربية عريقة بصحافتها. لكن هناك عددا من العوامل التي تخنق هذه الإمكانيات وتحول الصحيفة إلى كائن مليء بالحيوية والجاذبية والفائدة.

تحكم الإعلام الخليجي كما قال مشارك قوانين هي نسخ عن القوانين المصرية المنسوخة أصلا عن القوانين العثمانية هذه القوانين تتفنن في مصادرة الحريات ومنع الوصول إلى المعلومات، وتداول المعلومات ونشرها، وتجعل من الصحفي رقيبا لذاته وخائفا وتحول رئيس التحرير إلى رقيب عن السلطة وأخيرا تجعل من السلطة الرسمية متحكما فيما ينشر وما لاينشر وتحيل المخالفين إلى المحاكم التي تحكم بقوانين تعسفية بما في ذلك قوانين العقوبات التي تؤدي بالصحفي المتمرد إلى السجن وإذا كانت الكثيرين الصحف الخليجية مستمرا على رغم تزايد إصدار الصحف وتضخم حجمها، فإن ذلك يعود الى الإعلان والتمويل الحكومي المباشر أو المستتر وليس مردودات المشتريات او اشتراكات القراء وعلى أية حال فتوزيعها متواضع جدا وأظهرت الدراسات الميدانية، إن مدى قراءة الخليجيين للصحف محدود وانتقائي ولاتعكس أرقام التوزيع، حجم الإقبال على القراءة.

الفضاء الالكتروني

تعتبر دول الخليج الأكثر تطورا من بين الدول العربية في استخدام الفضاء الالكتروني والذي يشمل البريد الالكتروني ومجموعات التخاطب والتبادل، والصفحات الالكترونية والمدونات واستخدام الهواتف النقالية باغراضها المتعددة وهي الأفضل في تقديم الخدمات من حيث الجودة والسرعة، وهو ما مكن الشركات الاتصالات الخليجية أن تمارس نشاطها في بلدان عربية مشرقية ومغربية، وهو ليس عائدا لإمكانياتها المالية فقط بل الفنية والبشرية من الواضح أن الصحافة الالكترونية (إيلاف) مثلا والمواقع الالكترونية والتبادل الالكتروني يشكل مصدرا أساسيا للحصول على المعلومات والأخبار والترفيه بسرعة قياسية وكلفة هو الأقل قياسا للوسائط الأخرى، في أي وقت وفي أي مكان. بل ان الوسائط الأخرى مثل الصحف والمحطات الفضائية والإعلام لها مواقعها الالكترونية وخدمات تزويد الجمهور بالرسائل النصية والبريد الاليكتروني مجانا.

وإذا كان الفضاء هو الفضاء الحر المفترض فإن الدول الخليجية تعامل النشر الالكتروني والوسط الالكتروني كما الصحف والمحطات الفضائية تحتاج إلى ترخيص واشتراكات ورقابة. ولذلك نرى لجوء السلطات إلى إغلاق المواقع الالكترونية ومحاكمة أصحاب مدونات أو كتاب نقديين يستخدمون هذا القضاء في مفارقة عجيبة بين التطور التقني وحرية الاستفادة من هذا التقنية الحديثة.

إشكاليات الإعلام الخليجي

طرح الكثير من المشاركين إشكالية الإعلام الخليجي وهي كثيرة ومنها نقص الحرية الصحفية وحرية التعبير أساسا حيث أن التقارير الصادرة عن جهات عربية (كمركز الحريات الصحفية في عمان) ودولية (مراسلون بلاحدود) تصنف البلدان الخليجية في خانة متدنية للحريات الصحفية حيث تبدأ مراكزها فوق الأربعين وأفضلها هي الكويت وبين البحث الذي أجراها الاستاذ إبراهيم بشمي أن القيود القانونية والرقابية ثقيلة جدا على الصحفيين، مما يجعل الصحافة مهنة غير مضمونة أو محفزة على الإبداع وغير محترمة. والضغط على الصحافة والصحفيين يأتي من عدة جهات مثل الحكومات او التيارات السلفية الاستبدادية والمتنفذين والصحف والمعلنين وكأن الصحفي يمشي على حبل مشدود. وتقييد الحريات بالقانون وخارج القانون بالإغراء أو الزجر في وسائط الإعلام الأخرى أما في وسائط الإعلام الرسمي من تلفزيون وإذاعة وصحف فالوضع أسوأ حيث يراد بالإعلام الرسمي من تلفزيون وإذاعة وصحف، فالوضع أسوأ حيث يراد بالإعلام أن يكون بوقا للسلطة، وليس مرآة عاكسة للمجتمع.

ضعف الصدقية

لقد حدث تطور بالتأكيد في اعتماد الجمهور على مصادر الإعلام الخليجية وخصوصا بعض الفضائيات و صدقية هذه الفضائيات دون توقع الجمهور والذي لايزال الجمهور يلجأ إلى الفضائيات والمحطات الأجنبية وخصوصا الـ (BBC) البريطانية ومونت كارلو (TV5) الفرنسية و الحرة ، كمصدر للأخبار والمعلومات وكذلك مواقع هذه المحطات الالكترونية ولاتزال الجزيرة المصدر الأول للأخبار والمعلومات من بين الفضائيات العربية وقد تتحول الجزيرة الدولية إلى مصدر منافس للفضائيات الأجنبية.

الإعلام الخليجي هل هو خليجي؟

حتى قبل انفجار الثورة المعلوماتية، فقد ظلت الصحافة ووكالات الأنباء ومحطات التلفزة والإذاعات تعتمد على الكادر العربي للمنتوجات بالعربية والآسيويين والانجليزي لكن ومع تفجر ثورة المعلومات والاتصالات والإعلام الفضائي والالكتروني، فقد أضحت الحاجة أكبر إلى إعلاميين عرب فجمهور الإعلام الفضائي والالكتروني ليس خليجيا بل عربيا بالأساس ودوليا بالدرجة الثانية. طرح البعض ضرورة خلجنة الإعلام الخليجي لكن هذه الفكرة تتناقض مع طبيعة الإعلام من حيث الإنتاج والاستهلاك وعلى حد الشعار المعروف مونت كارلو حدودها العالم إذا يجب التوجه لجعل الإعلام علما يدرس ويكتب ومهنة لها متطلباتها.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 1628 - الإثنين 19 فبراير 2007م الموافق 01 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً