في بعض الأحيان تتهم الحكومة بالتقصير في إقامة المشروعات التي تساهم في دفع عجلة التنمية وتطوير الاقتصاد، وإذا ما سارعت الحكومة في حالات نادرة للبدء في تلك المشروعات، يقوم مجلس النواب بتعطيل الغطاء التشريعي لبعض مشروعات الدولة، ويسعى برفاهية سياسية وترف فكري لإعاقة تمرير بعض المراسيم التي يعتقد خبراء القانون في اللجنة المعنية أنها غير دستورية.
إن صفة الاستعجال في تنفيذ مشروع جسر البحرين وقطر تكاد أن تكون محل إجماع الشعبين الشقيقين، ولو تم إجراء استفتاء شعبي على ذلك الأمر، فلن يشذ عنه كما نعتقد غير خبراء القانون في البرلمان، وسواء تم تصديق جلالة الملك على مرسوم أو قانون يتعلق باتفاق البلدين لإنشاء الجسر، فلا نعتقد بأن مجلس النواب قادر على أن يأتي بمثل هذا الاتفاق وبالسرعة اللازمة للبدء في تنفيذ المشروع، وإن كان بعض النواب يعتقد بأن المماطلة في الموافقة على المرسوم ستعوق أو تؤجل تنفيذ المشروع فهم واهمون، فتنفيذ الاتفاقات على أرض الواقع لا يرتبط مباشرة بموافقة السلطة التشريعية، ويتأخر التشريع في هذا الجانب عن تنفيذ الاتفاقات لسنوات عدة كما يحدث عادة في بعض الدول الديمقراطية المتقدمة.
اتفقت السلطات العليا في البلدين على هذا المشروع الكبير، والنواب في البحرين يرون أن الملك قد تعجل في إصدار المرسوم بين الفصلين التشريعيين الأول والثاني، فإن كان نواب الشعب على درجة عالية من الحرفية، فبالإمكان حينئذ مساءلة الجهات المعنية عن بنود الاتفاق، كالجوانب الأمنية، وأسلوب إدارة الجسر، وتوزيع إيرادات الجسر بين البلدين بشكل «عادل»، ووضع العمالة البحرينية في مؤسسة الجسر، وأمور أخرى قد يكون لها تأثير على عملية انتقال السلع المحلية سلبا أو إيجابا.
التخطيط للجسر وإعداد تصاميمه والإشراف على سير العمل هو من اختصاص الحكومتين في قطر والبحرين، ولا ندري بأي شكل سيساهم برود مجلس النواب في دعم المشروع وإرضاء طموحات الشعبين الشقيقين، ولا يستطيع المجتمع أن يتفهم طبيعة التحفظات التي يبديها البعض، وما هي الأمور الفنية التي قد تساهم إحدى الكتل في إبراز سلبياتها، وتكوين مرئيات متقدمة تساهم في تطوير الجسر وتنويع استثماراته، والقضاء على بعض المعوقات الإدارية التي لا تتناسب مع جوهر الانفتاح المتماثل بين البحرين وقطر.
هناك آلاف من العاطلين في البحرين ينتظرون إنشاء الجسر للعمل في قطر، والهروب من جحيم الشركات في بلادنا، ولا يمتلك مجلس النواب عصا سحرية لتوظيف هؤلاء بشروط عادلة وأجور مناسبة، فعلى الأقل أن يلتزم المجلس بتقديم الأولويات الوطنية وتحقيق الرغبات الشعبية من دون تعقيد أو شوشرة، فهناك قوانين كثيرة ستختبر عضلات المجلس الموقر، وتضع الكتل النيابية أمام المحك الأهم لتمثيل القواعد الشعبية وتحقيق رغباتها.
ليس بسرٍ كي يذاع، عندما يشمئز المسافر على جسر الملك فهد من جراء تعقيدات أمنية وإدارية غير مبررة، وكأن المسافر على هذا الجسر ذاهبا إلى الجنة، فإنشاء الجسر الجديد سيوفر على المواطنين مشاق كثيرة، ويهيئ فرصا ميسرة لزيارة دولة الإمارات أو سلطنة عمان عن طريق دولة قطر، علاوة على تأكيد أواصر القربى وعرى المحبة بين الشعب الواحد في قطر والبحرين، فهذه اللحمة قد استلهمت جذورها من جسور تاريخية قديمة لن يضيف لها الجسر الجديد غير استثمار الوقت وتجاوز البدائية.
إقرأ أيضا لـ "معاذ المشاري"العدد 1627 - الأحد 18 فبراير 2007م الموافق 30 محرم 1428هـ