العدد 1627 - الأحد 18 فبراير 2007م الموافق 30 محرم 1428هـ

أيها العراقيون... لا يُضَاءُ المصباح للنائم

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لا أظنّ أن ما نعيشه اليوم سيكون تاريخا كأي تاريخ... أو حقبة كأي حقبة ولّت، فما نحن فيه لا يُذكرنا بأي شيء قد سبقنا، بقدر ما يُحفّزنا لأن نتساءل مرة بعد أخرى هل سيأتي زمانٌ أسوأ من هذا؟!

لا أظنّ أن أخانا من أرض الكنانة قد تمادى عندما قال بأن «درجات التعرّي في الأمة لا تحطّ بغتة، بل بالتدريج نزلة بعد أخرى حتى لا تعي الأمّة نفسها يوما إلاّ وهي عارية تزني في نفسها، وأنها قد تنتكس حتى تطعن قلبها وتسحق أفضل من فيها وهي تقول: كيف آل بي المطاف إلى هذا؟! عندها لا يكون الخطاب والكلام ولا ثرثرة الكتب بقادرة على إيصال دروس الإصلاح، بل لطم الأزمات وصفعات الهوان والنكبات هي ما قد يُرجع للأمّة وللأفراد رشدهم «لكن ما يُؤلم أكثر أيها الكناني هو أننا استهلكنا كل شيء... الخطاب والثرثرة وصفعات الهوان واحتضان النكبات من دون أن يكون لنا أدنى قدرة على استيعاب أي شيء، وهي مرحلة لا أعتقد بأن سقف العقل البشري قادر على إنتاج مأساة لها أكبر.

قبل أيام كنت وصديقي ضيفين عند أحد الأساتذة الجامعيين الكبار، وكان يُحدثنا عن مأساته اليومية والمتكررة مع الفوران المعلوماتي الهائل وتكنولوجيا الصورة التي فرضت على الجميع أن يسمع ويقرأ ويرى ما يجري من حوله وحول غيره من بلاءات هي في الحاصل نتاج لمفاعيل مفقودة لا نتحكّم نحن فيها بتوازن ولا عقل، مُرجعا أجزاء من ذلك إلى فروض ميتافيزيقية رآها متصلة ببعضها بعضا، أو إلى عقل سماوي قرّر كل شيء، وأن العالم بات أشبه بخشبة مسرح، فيه الممثلون والمخرجون والمتفرجون... كان الرجل يشكو من ضغط نفسي هائل نتيجة الحوادث التي تعيشها المنطقة الإسلامية والعربية، وقد أرى في بعض ما قاله صوابا بامتياز، فكل يوم يأتي لا تستطيع إلاّ أن تتشح بواحدة من مآسينا المتلاحقة تعيش معها وتستمع لها ثم تبكي عليها لتضمها فترميها بحرقة، وقد وجدت أن مأساتي اليوم هي واحدة من اللواتي تذاررن حينا بعد آخر من لحم مأساة العراق الجريح، وهي معاناة اللاجئين الفلسطينيين هناك والذين يزيد عددهم على اثنين وعشرين ألفا، قَدِموا معظمهم من حيفا ومحيط مثلثها من قرى جبع وعين غزال وإجزم وطيرة حيفا، أيام الانتداب البريطاني لفلسطين المحتلة وخلال حرب العام 1948 وبعد توقيع العرب اتفاقات الهدنة، ولأن غلواء الدم في بغداد قد وصل منتهاه من حيث الهمجية والجنون فإن المسلحين يقتنصون طريدتهم بعدة أشكال... بعضهم يفرز السنة عن الشيعة ليقتل السُنّة وبعضهم يفرز الشيعة عن السُنّة ليقتل الشيعة، وبعضهم يفرز الأكراد عن العراقيين العرب ليقتل الأكراد، وبعضهم يفرز العراقيين عن سواهم بِنَهَمٍ غريب بحثا عن الفلسطينيين، بل إن البعض أخذ يتكلّم عن دوريات تجوب حي البلديات شرق بغداد ومناطق الدورة والمشتل والكرادة والبتاوين والحرية (مناطق وجودهم) وتُلقي تهديدات جهارا في وضح النهار ضد الفلسطينيين عبر مكبرات الصوت أو المنشورات غير المُذيّلة بتوقيعات معروفة، داعية إياهم بضرورة ترك منازلهم والرحيل، وقد أفضت تلك العمليات إلى تهجير مئتي عائلة فلسطينية من منطقة الحرية إلى منطقة البلديات والإقامة في نادي حيفا، بعد إغلاق منازلها والاستيلاء على أثاثها وممتلكاتها من قِبَل الجماعات المسلحة، ولأن الخطر داهم وكبير فقد أصدرت المفوضية العليا لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في جنيف ثلاثة بيانات متتالية في أقل من أسبوع ذكرت فيه أن اللاجئين الفلسطينيين هم الأكثر استهدافا من العمليات الطائفية في العراق، وأن أربعة وثلاثين فلسطينيا قتلوا خلال الشهرين الماضيين، وأن الغالبية منهم لا يمكنها السفر إلى خارج العراق على اعتبار أنهم لا يمتلكون وثائق أو جوازات سفر، وخصوصا أن العراق ومنذ الخمسينات لم يُبرم اتفاقا مع وكالة غوث اللاجئين (الأونروا)، وهو ما بيّنته الوثيقة رقم (F - 371/115625) من مراسلات المكتب البريطاني في الشرق الأوسط مع السفارة البريطانية في بغداد في 25 إبريل/ نيسان من العام 1955 بشأن إمكان إيجاد عمل للاجئين الفلسطينيين في العراق.

المشكلة هي أن التوجه لطرد الفلسطينيين من العراق لم يعد رغبة وسلوكا تمارسه الميليشيات المسلحة فقط بل هي رغبة رسمية قبل أن تكون شعبية، وهو ما يمكن استنتاجه من تصريح وزير المهجّرين والمهاجرين في العراق عبد الصمد رحمن سلطان عندما قال إن «فلسطينيي العراق يشكّلون مشكلة كبيرة لا يمكن حلّها بسهولة، فالعرب عموما والفلسطينيون خصوصا غير مُرحّب بهم حاليا»، كما قال الشيخ ناصر الساعدي أحد قيادات التيار الصدري إن «الوضع الحالي غير مناسب لوجود الفلسطينيين في العراق، وعلى الحكومة مراقبة مناطقهم وأن تعيد النظر في وجودهم داخل العراق وتقوم بتسفير هؤلاء إلى بلدانهم». طبعا المبررات التي تسوقها الحكومة العراقية والأحزاب والميليشيات التي تمارس قتل الفلسطينيين هي أن النظام الصدامي المقبور استخدم هؤلاء اللاجئين كمخبرين وسجّانين إبّان فترة حكمه، وهو ادعاء يُمكن التوقف عنده والنظر إليه من دون مزايدات... فإذا كانت الحكومة العراقية تمتلك البراهين والأدلّة القطعية على ذلك، فلماذا لا تحاكم المتورطين منهم، وهي القادرة على اعتقال عتاة رموز النظام البعثي السابق فكيف بلاجئين متناثرين في أحياء بغداد بصورة علنية منذ عشرات السنين!

وكيف تُبرر عمليات القتل بحق طلبة وطالبات فلسطينيات، أو قصف المناطق التي يقطنها الفلسطينيون بمدافع الهاون والتي لا أعتقد بأنها تُفرّق بين صغير أو كبير، أو بين شريف ودنيء!

لماذا لا يأخذ العراقيون مثال التعامل الذي اتبعه حزب الله مع ملف عناصر جيش لحد العميل؟!

لماذا تحاول الحكومة العراقية كسب المزيد من الأعداء والخصوم وهي تعلم مدى حساسية القضية الفلسطينية تاريخيا وإنسانيا وسياسيا في العالمين العربي والإسلامي، وحجم المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني على أرضه؟!

إن المسألة في حقيقتها جدّ حرجة وقد تزيد ليس فقط من الاصطفاف الطائفي المستعر في العراق والمنطقة بل إنه قد يمتد إلى طبيعة العلاقة القائمة بين الأحزاب والدول وهو لعب بمصالح كبيرة ستكون نتائجها كارثية على الجميع.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 1627 - الأحد 18 فبراير 2007م الموافق 30 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً