في زمن العجائب والغرائب والهزائم، لا تستغربوا أن تصدر كتبٌ عن مآثر الطغاة. من قبل فعلها بعض عبّاد الطغاة، واليوم يعيد إصدار طبعات جديدةٍ عشّاق الطغاة!
كلّ أمم الأرض تتخلّى عن إرث طغاتها حتى تنهض من كبواتها، إلاّ أمتنا العربية، الوحيدة التي تقيم لهم التماثيل وتنصب سرادق العزاء!
في الماضي كان القتلة بحاجةٍ إلى مرور عدّة قرون حتى تنسى سيرتهم وتخبو من الذاكرة جرائمهم، بعدها يستيقظ بعض وعّاظ السلاطين من سباتهم الشتوي، لينشروا «حقائق عن أمير المؤمنين»، أما اليوم فلا يحتاج الأمر لأكثر من أربعين يوما حتى تصدر كتب «المآثر» و«الفضائل». بعض شعوبنا تخيّلت صورهم وهم أحياء على وجه القمر، فلا تستغربوا إذا تخيّلوا صورهم بعد موتهم على وجه المريخ أو نيبتون أو بلوتو!
الأمم الأخرى، عندما تتعرّض للهزّات الكبرى، تعيد التفكير في مسلّماتها، وتصحّح أخطاءها، وتقوّم الاعوجاجات في مسيرتها. حدث ذلك قبل نصف قرن، في اليابان، وفي ألمانيا، وفي إيطاليا، وفي دول الشرق والغرب، حتى جمهوريات الموز راجعت نفسها وخياراتها... إلاّ نحن، (سلامُ الله علينا)! بدل أن نراجع حساباتنا، رحنا نصرّ على تمجيد الطغاة، وإضفاء هالاتٍ من المجد والقدسيّة على الحقب الدموية السوداء!
القضية أكبر من خلافٍ في وجهات نظر، أو حريّة تعبير. إنها خللٌ في الفكر، ومأساةٌ كبرى تعبّر عن الهزيمة والانكسار. أمةٌ كانت خير أمةٍ أخرجت للناس، فأصبحت لقمة سائغة للغزاة الطامعين، مصداقا لنبوءة محمدٍ (ص): «يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكَلَةُ إلى قصعتها»، فلما سُئل: ومن قلةٍ نحن يومئذ؟ قال: «بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاءٌ كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن».
هذه هي العلّة: الوهن، سياسيا وعسكريا، واقتصادا وفكرا، بأسهم بينهم شديد، يرون الخطر في بعضهم بعضا، والتعاون ومد اليد وتطبيع العلاقات مع «إسرائيل»... أولى من التعامل ومصافحة بعضهم بعضا!
حتّى الأخلاق... في زمن الانهيارات الكبرى تشهد تدهورا وانحطاطا لا مثيلَ له. فأن تقوم دولةٌ شقيقةٌ، بمد يدّ العون لك، فتبني المدارس والمستشفيات، وتقف معك في السراء والضرّاء. هذه الدولة تتعرّض للغزو، ويُشرّد شعبها، ثم تقوم حضرتك بتأبين من قام بغزوها ومسحها من الخريطة، كلّ ذلك باسم أهلنا في المحرق أو الرفاع، ولا ندري من خوّلك بتمثيلهم حصريا! فليس من شيمة هؤلاء الأهل الأصلاء نسيان المعروف أو مقابلة الإحسان بالجحود، مع ما يتركه ذلك على علاقاتنا الحميمة مع الشعب الكويتي الشقيق.
اختلالٌ فكريٌ وقِيَمي، وعصبيةٌ جاهلية، يقاد إليها جزء من مواطنينا لتعميق الشرخ الطائفي، فيوضعون في فوهة الخلاف الطائفي الذي لن يستفيد منه بحريني قط.
في العصور الغابرة، قد يُعذَر أحدهم إذا كتب بدافع التعصب الأعمى، ولكن لا حجة اليوم لجمهورٍ شاهد بعينيه المقابر الجماعية، ولا حجة لمحامٍ يُفترض فيه الدفاع عن الحق والحقيقة، فيقوم بتمجيد رئيس دولة فرّ من المعركة، ولم يطلق طلقة على العدو الغازي واستخدم «مرجلته» في إبادة مواطنيه بالأسلحة الكيماوية!
لو كان «شهيد القرن» قد قتل مليون دجاجةٍ أو حصانٍ أو بقرةٍ في الشارع دون ذنب... لكان جزّارا دمويا، فكيف بمن قتل وهجّر وشرّد الملايين؟ لكنها الروح الجاهلية في ثوب طائفي جديد!
في ذكرى الأربعين صدر كتاب «مآثر الشهيد»... فانتظروا نهاية العام كتب «المعاجز» و«الكرامات»!
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1627 - الأحد 18 فبراير 2007م الموافق 30 محرم 1428هـ