ثمة حكمة - لا يعلمها إلا الله ورسوله والراسخون في العلم ما خلا «أنا» - في موضة تجربتنا البحرينية الجديدة. وتتمثل هذه الموضة في الاتجاه نحو تحويل الكثير من الأجهزة الحكومية إلى هيئات منفصلة عن سلطة الوزارات الرسمية المساءلة أمام السلطة التشريعية.
ولأن ممارسة الشك هي إحدى مباني «الحكمة» أرى أن لا ضرورة في معرفة حكمة هذا النسق الجديد الساعي إلى الخروج ببعض مفاصل الدولة عن سلطة الوزارات (رقابة مجلس النواب ورقابة ديوان الرقابة المالية أحيانا). أرى أيضا ضرورة أن لا «نشك» بالنوايا، وأن نترك الأمر - كما تعودنا - لافتراضات حسن النية!.
وخلاف وضوح مسلمة جديدة، وهي أن أكثر من عشرين وزيرا لا يستطيعون اليوم - على ما يبدو - إدارة كل مؤسسات الدولة الفتية، نجد أن الهيئات المزمع إنشاؤها (الشئون القانونية - نموذجا) ستمثل «دولة» جديدة داخل «الدولة» التي نعرفها. أضيفوا إلى ذلك أن السلطة التشريعية ستكون غير مؤهلة /قادرة/ مسموح لها أصلا إحكام رقابتها على هذه الهيئات التي تنمو خارج جسد الحكومة المركزية. أرجو منكم تجاهل مفردتي «الحكومة» و»المركزية» أو إثباتها، باعتبار أن هذه الهيئات تسير قدما نحو تكوين «حكومة لا مركزية» لا أفهم الحكمة منها كما أسلفت في البدء.
الذي لابد من الوقوف عنده هو خطورة أن تزيد هذه الهيئات فتزيد حال الاختلال في نظام العمل الحكومي. هذه الهيئات المتفردة بقراراتها عن سلطة مجلس الوزراء - مؤسسة السلطة التنفيذية بحسب الدستور - تحتاج منا بعض التأمل غير المفضي إلى الشك فيها أو في قرارات تأسيسها طبعا، فالنوايا دائما حسنة كما أسلفت.
يبرر البعض هذا الفصل لبعض الهيئات عن الجسد الرسمي للدولة بـ «أنها خطط تهدف لمزيد من اللامركزية والاستقلال في العمل الحكومي» نقول: «لا ضرر في إبقائها أمام وزير مسئول يمكننا في الصحافة مساءلته، ويمكن للسادة النواب مساءلته واستجوابه إن اتضح خلل ما في هذه الهيئات أو انحازت إحداها عن ثوابت الدستور.
ليس هذا الخوف على حاكمية مجلس الوزراء شكا في ماهية هذه الهيئات أو خوفا من أن تكون مصدرا جديدا لإقرار سياسات الدولة أو أن تكون استكمالا لمشروعات وخطط ما يجهلها البعض أو يعلمونها. فنحن نثق في أن «الشك» لا يمثل الباب الصحيح للديمقراطية كما تُعلِّمنا الديمقراطيات الكبرى. هذه المطالبة بريئة جدا، ومفادها: أننا لم نصل في تجربتنا حد اختلاق تقنيات لم ينزل بها الله من سلطان. وإن في هذه المطالبة «حكمة» أيضا لا يعلمها إلا الله ورسوله والراسخون في العلم.
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1627 - الأحد 18 فبراير 2007م الموافق 30 محرم 1428هـ