العدد 1626 - السبت 17 فبراير 2007م الموافق 29 محرم 1428هـ

كفى تقريعا أم... لا؟

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

هناك سورةٌ من خمس آيات، ومع ذلك تحمل ثلاثة أسماء (أبي لهب، المسد وتبّت). الأول هو عبد مناف (عمّ النبي)، الذي تكفّل بإيذائه وتعهّد لقريش في دار الندوة بقتله، أما الاسمان الآخران فمشتقان من السورة التي نزلت تقريعا وتوبيخا للرجل وزوجته الموتورة أم جميل (أخت أبي سفيان).

الغريب أن بعض المفسرين اعتبروها من المعجزات، باعتبارها تتكلم عن المستقبل بصيغة الجزم، بينما يُحتمل أن يؤمن أبولهب وزوجته، ونسوا أن القرآن نزل من علاّم الغيوب!

والرجل أول من ردّ على النبي (ص) عندما جمع عشيرته الأقربين لينذرهم بقوله: «تبا لك، ألهذا جمعتنا»؟ فنزلت السورة التي تبدأ بالدعاء عليه مرتين بالتباب. ثم يرسم القرآن للأجيال لوحة خالدة لزوجته (حمّالة الحطب) التي كانت تنثر الأشواك في طريق النبي (ص) ليلا، فتصبح السخرية منها متجددة عبر القرون والأجيال. فعندما نزلت السورة فقدت عقلها وجاءت تبحث عن النبي (ص)، لترميه بحجرٍ تحمله، فقابلت أبابكر الصديق (رض) فسألته: «أين صاحبك... فلو أراه لرميته، فإنه هجاني واللات والعزى».

أما هو فكانت عاقبته أن مات بعد وقعة بدرٍ بأيامٍ معدودةٍ بالعَدَسَة (وهي بثرةٌ تشبه حبّة العدس... ربما هو مرضٌ معدٍ)، «وتُركت جثته ثلاثا حتى أنتن، ثم استأجروا له بعض السودان فدفنوه أخزاه الله» كما تقول الروايات.

القرآن الكريم تعامل مع البشر الأسوياء بالمنطق والعقل والجدل بالتي هي أحسن، أما الأشخاص الموتورون، ممن كرّسوا حياتهم للدفاع عن أصنامهم وطواغيتهم حتى آخر رمق، فقد استخدم معهم أسلوبا ساخرا كله تقريعٌ وتوبيخٌ، فوصف بعضهم بالدواب أو الأنعام أو هم أضل سبيلا، ولو عاش معهم محمد (ص) عشرة قرون لما ازدادوا إلاّ عنادا وعتوا. هذه النماذج الإقصائية المتطرفة، ترى طاغية الطغاة فتركب رأسها كالأطفال وتصر على أنه «شهيد الأمة»... فهل تضيع معها وقتك بالجدل؟ أم ترسل إليها رسالة واضحة وحازمة بأن تتوقف عن هذه العربدة والتحريض والكذب على ذقون الناس؟ هل تنتظر إشعال نار الفتنة واستمرار مسلسل تحريض أبناء الوطن ضد بعضهم بعضا؟ أليس من صميم المسئولية الوطنية أن تقف بوجه استهداف بيوت الله واتهام أماكن العبادة الآمنة بأنها مخازن للأسلحة؟

المسألة ليست خطابا عصبويا منفلتا، ولا هو مقالا انفعاليا متوتّرا، وإنما هو رسالةٌ مقصودةٌ تماما، لئلا تستفحل هذه الحماقات حتى تشعل النار الطائفية على شاكلة العراق، خصوصا مع سكوت الجهات المعنية الذي قد يوحي بوجود نوعٍ من الرضا والتشجيع المبطن.

الإشكالية التي أودّ تأكيدها بجد، أنها رسالةٌ مقصودةٌ تماما، حتى يلتزم الخارجون على نطاق الأدب واللياقة حدودهم وحدود المصلحة الوطنية، وإذا كان البعض مصابا بأمراض نفسية أو عقد فرويدية أو مشكلات عائلية، فليذهب إلى المصحّة النفسية للعلاج، لا أن يشيع الأحقاد بين طوائف المسلمين ويقذف الناس في ولائهم لأوطانهم ويستغفل خلق الله بأكاذيبه. باختصار: «كفى»!.

على المستوى السياسي، يمكنك أن تختلف مع أي قائد أو زعيم أو مرجع ديني، وتقيّم مواقفه وتنتقد أخطاءه، أما إذا كان شخصٌ يرفض رفضا قاطعا الالتقاء بممثلي الاحتلال الأميركي، وعندما حاول بريمر أن يلتقيه طرده بقوله: «أنا لست عراقيا وأنت لست عراقيا، فدع العراقيين يختارون لأنفسهم». مثل هذا الرجل يحترمه كل عقلاء العالم، فإذا جاءت إحدى الموتورات لتتهمه بأنه «جنرال أميركي»، فهذا منتهى الاستخفاف بالعقل، وهي المهزلة التي نتمنى إيقافها... فافهموها بقى، وإلاّ لازم (اسطارات)؟!

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1626 - السبت 17 فبراير 2007م الموافق 29 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً