العدد 1626 - السبت 17 فبراير 2007م الموافق 29 محرم 1428هـ

هل نقول: كان تعدد المرجعيات في العراق مشكلة

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

ربما من الأسباب التي تقف خلف الحوادث الدامية التي يعيشها العراق الجريح والتي تُنفذ بأيدي أفراد ومجموعات، تكمن في مشكلة تعدد المرجعيات الدينية السياسية، وعدم توّفر مرجعية واحدة يتفق عليها هذا الطرف أو ذاك في التصدّي للشأن العام، فالشيعة منقسمون بين عدد من المراجع وإن كانت مرجعية السيدالسيستاني هي الأقوى حاليا، إذ يوجد التيار الخالصي والتيار الصدري وحزب الفضيلة التابع للشيخ اليعقوبي. وكذلك السنة، فإن انقسامهم أشد بين مشارك في الحكومة مثل الحزب الإسلامي، وبين مقاطع مثل هيئة علماء المسلمين برئاسة الشيخ حارث الضاري، ولهذا لا تجد مشروعا واحدا أو دعوة واحدة يمكن أن تتفق عليها هذه الفئات المتعددة كتعدد ألوان الطيف، فحديثا لاقت الخطة الأمنية لبغداد معارضة شديدة من بعض الأطراف، وقبل ذلك فإن مؤتمر المصالحة الوطنية في العراق الذي تم عقده أواخر العام الماضي بتاريخ 16 ديسمبر/ كانون الأول 2006 لقي مقاطعة من أطراف ذات وزن ثقيل في صناعة الحوادث على الساحة العراقية، وحكموا عليه وهو مجرد فكرة مطروحة وقبل عقده وربما حتى قبل الإطلاع على جدول أعماله.

ولمّا كانت الخلافة الإسلامية عامل توحيد ومرجعية وحيدة لأهل السنة، والتي تمثّلت لما قبل ما يقارب الـ 90 عاما في الخلافة العثمانية قد انتهت، وفي ظل الحوادث المتسارعة، ظهرت مشكلة وحدة المرجعية الدينية السياسية لدى المسلمين السنّة بشكل مفاجئ، فاقت إخوانهم الشيعة في الوقت الحالي.

لقد أصبحت الساحة العراقية نتيجة تعدد المرجعيات والخلاف بشأن الحلول تعج بالكثير ممن يتصدون للشأن العام بالإفتاء، فانبرت جماعات تكفيرية تفتي بإباحة دماء المسلمين وتقوم بتنفيذ الفتوى عن طريق تفخيخ السيارات في الأسواق والمساجد والحسينيات، وظهرت مجموعات أخرى تخطف وتقتل على الهوية الطائفية. ولقد كانت الظروف وحدها فقط التي جعلت مشكلة المرجعية لدى شيعة العراق أخف من مشكلة إخوانهم أهل السنة، فالحقيقة لا يوجد في المذهب الشيعي من الناحية الفكرية والعقائدية ما يلزم بوحدة المرجعية في التصدي للشأن العام في ظروف كظروف العراق، وذلك عائد لمسألة الاجتهاد التي تعطي المجتهد الحق سواء بالانصياع لقيادة مرجع آخر أو التصدي بنفسه للشأن العام بالافتاء. هذا على المستوى النظري على الأقل، وإن كان الأمر في العقود الأخيرة خصوصا - إذا استثنينا الحوادث المستبدة والمشروطة والتي جرت في بدايات القرن الماضي - تؤكد حدوث وحدة في الواقع العملي، إذ ينكفئ أكثر المراجع عن التدخل في الشأن السياسي عندما يتصدى أحدهم لذلك.

وبعد الغزو الأميركي وسقوط نظام صدام حسين، لم يكن الشارع الشيعي متوّحدا خلف مرجعية السيد السيستاني، ولكن الحوادث هي الوحيدة التي تكفّلت بإبرازه كمرجعية لأكثرية العراقيين الشيعة، والفضل في جزء كبير في هذا يعود للتيار الصدري والذي كان بداية الأمر ينحى نحو تقويض المرجعية. لقد وصل الأمر في البداية إلى درجة أن حاولت مجموعة من الشيعة إخراج السيدالسيستاني من العراق عنوة وبقوة السلاح، فقامت بمحاصرة منزل السيد مطالبة إياه بالرحيل والرجوع لبلده الأصلي (إيران)، غير أن تدخل العشائر ونزولهم بالأسلحة أفشل هذا الأمر السابقة، والذي لو تم لتقّوضت مكانة المرجعية لأول مرة في التاريخ الشيعي، ولضاعفت مسألة وجوب حصول غطاء شرعي من فقيه جامع للشرائط في حال التحركات السياسية المتعلّقة بالتصدي للشأن العام.

وطالما كان التيار الصدري يغمز للحوزة العلمية التقليدية من خلال تصنيفه نفسه بالحوزة الناطقة قبال الحوزة الصامتة التي تتزعمها المرجعيات التقليدية وعلى رأسها السيدالسيستاني، إلا أن محاصرة القوات الأميركية للمسلحين من التيار الصدري في حوادث النجف، ولمّا أحسوا بخطر استئصالهم عمليا من الساحة، لجأوا إلى المرجعية بزعامة السيدالسيستاني من خلال إعلانهم القبول بما تطالبهم به.

ولو سكت السيدالسيستاني حيال هذه الدعوى، لكان ذلك بمثابة ضوء أخضر بمناصرة التيار الصدري في معاركه غير المتكافئة مع الأميركان، وإن طلب أمرا معيّنا، فسيكون سببا لنجاة التيار ومسلحيه، وهو ما حصل فعلا حين طالب بخروج كل أشكال التسلح من النجف. هذا المنعطف قاد إلى تعزيز وحدة مرجعية السيدالسيستاني، وجعلها بمثابة الخيمة التي تلم معظم التيارات الشيعية بما فيها التيار الصدري.

وإذا كنا ولفترة قريبة نعتقد بأن أسباب المشكلة العراقية تتلخص في تعدد المرجعيات، فإن الوضع الحالي يظهر خلاف ذلك، فقد اختلط الحابل بالنابل كما في المثل العربي، وصار القتل على الهوية والتفجير في أماكن معينة - على الهوية أيضا - هو سيد الموقف، فهل نجحت الحوادث في إضعاف المرجعيات الدينية السياسية من خلال إشعال الحرب الأهلية؟

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 1626 - السبت 17 فبراير 2007م الموافق 29 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً