العدد 1626 - السبت 17 فبراير 2007م الموافق 29 محرم 1428هـ

الحزب السوري القومي... وسيكولوجية الطوائف(1)

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

تسلطت الأضواء في الشهرين الماضيين على الحزب السوري القومي الاجتماعي. فالحزب تعرض إلى حملة سياسية اتهمته بالوقوف وراء زعزعة الاستقرار الأمني في المناطق المسيحية اللبنانية على خلفية اكتشاف مستودع للأسلحة في قضاء الكورة الذي تقطنه غالبية من الروم الأرثوذكس. وجاء حادث اغتيال الوزير النائب الكتائبي بيار أمين الجميل وثم تفجير حافلة الركاب على طريق بكفيا إضافة إلى مساهمته في حرق الدواليب وقطع الطرقات إلى جانب قوى «8 آذار» الموالية لدمشق لتعيد رسم تلك الصورة التقليدية عن هذا الحزب العلماني.

تاريخ الحزب يدل على سهولة انخراطه في مثل هذه الأعمال ولذلك كانت الحملة سهلة على الأطراف المتخاصمة معه في توجيه سهام الاتهام ضده. فالحزب قاد سلسلة اغتيالات وانقلابات عسكرية منذ نهاية الأربعينات إلى مطلع الستينات من القرن الماضي. وأشهر الأفعال التي ارتكبها كان اغتيال رئيس الوزراء اللبناني ورجل الاستقلال الأول رياض الصلح. وبعد هذا الحادث اتهم الحزب باغتيال الضابط السوري البعثي عدنان المالكي في دمشق. كذلك اتهم بتنظيم سلسلة انقلابات عسكرية ناجحة وفاشلة في سورية في الخمسينات (حسني الزعيم، وسامي الحناوي، وأديب الشيشكلي) وفي الستينات في لبنان في عهد الرئيس فؤاد شهاب.

شهرة الحزب في هذا المجال وفرت فرصة للخصوم باستهدافه لكونه يحمل في جعبته الكثير من السوابق السياسية. فالحزب السوري القومي شكل منذ تأسيسه في العام 1932 نقطة توتر ايديولوجية بسبب مواقفه التي تميزت بخصوصية لم تكن مفهومة في الثلاثينات والأربعينات من قبل الجهات السياسية والعقائدية آنذاك. مؤسس الحزب انطون خليل سعادة (روم أرثوذكس) طرح فكرة قومية تعارض القومية العربية والهوية اللبنانية. كذلك طرح فكرة اجتماعية تتخالف مع الاشتراكية ولا تتوافق مع الرأسمالية. وعلى مستوى الإصلاح السياسي طالب بفصل «الدين عن الدولة» ومنع «رجال الدين من التدخل في شئون السياسة والقضاء». وشكلت مثل هذه الأفكار نقاط استفزاز للكثير من التيارات الايديولوجية التي وجدت فيها محاولة للانقلاب على مفاهيم موروثة أو مستحدثة لن تستطيع أن تحقق النجاح من دون اعتماد وسائل قوة لفرض شروطها على الناس.

البدايات

بدأ انطون سعادة نشاطه الحزبي في الوسط الأكاديمي (الجامعة الأميركية) وفي بيئة ثقافية مسيحية. وهذا أمر طبيعي فهو «لبناني» من ظهور الشوير في قضاء المتن الشمالي. والمتن الشمالي من الأقضية المركزية في جبل لبنان فهو من جانب يطل على البحر المتوسط وشهد منذ البداية ذاك الانفتاح الثقافي التربوي والتجاري على الغرب ومن جانب آخر يطل على الداخل اللبناني (المتن الجنوبي) المتاخم لطريق الشام التي تربط بيروت بدمشق. وهذا القضاء كان ولايزال يتمتع بأهمية خاصة. فمنه جاءت معظم القيادات السياسية والحزبية (مؤسس حزب الكتائب بيار الجميل، وقادة الحزب الشيوعي، والطاشناق الأرمني). ومنه جاء بعض رموز الدولة من رؤساء جمهورية وقادة الجيش وكبار الوزراء والنواب والشخصيات الدبلوماسية. فالقضاء إداريا يتشكل سكانيا من مزيج من الروم الأرثوذكس والموارنة وأقلية أرمنية متجمعة في ساحله. وشكل هذا المزيج قاعدة للتوتر الماروني - الأرثوذكسي بين الكتائب اللبنانية والقوميين السوريين في وقت ساهم أيضا في توليد طاقات فكرية وسياسية لعبت دورها في صنع شخصية لبنان الثقافية.

نظرية جغرافية

آنذاك في الثلاثيات حين قرر سعادة تأسيس حزبه السوري كانت الفكرة اللبنانية ضعيفة وغير واضحة المعالم. وكان أهل جبل لبنان في حال من الضياع الايديولوجي بين انتماء إلى هوية قومية (سورية أو عربية جامعة) وهوية محلية لم تستقر سياسيا على خريطة جغرافية. فالاستعمار الفرنسي - البريطاني الذي استولى على المشرق العربي (بلاد الشام) وانتزعه من وصاية السلطنة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى قرر تقطيع أوصال المنطقة وتمزيقها إلى دول خمس تخضع للانتداب الأوروبي. وكان جبل لبنان وساحله وسورية من حصة فرنسا. وقررت فرنسا توسيع دائرة الجبل (المتصرفية) وضمت إليه الأقضية الأربعة وأطلقت عليه «دولة لبنان الكبير» وبات البقاع والشمال وطرابلس من ضمن حدوده.

أدى توسيع الجبل إلى ردود فعل متباينة في أوساط الطوائف اللبنانية وتوزعت بين رافض للقرار معتبرا أن لبنان جزءا من سورية، وبين موافق عليه بحماس، وبين موافق بتردد وتحفظ خوفا على وحدة اللبنانيين في المستقبل.

انطون سعادة كان ضد التقسيم أو التوسيع واعتبر أن فكرة الكيان اللبناني «انعزالية» كذلك رفض فكرة العروبة معتبرا أن فكرة الوحدة العربية «انفلاشية» وتفتقد إلى الواقعية. انطلق سعادة آنذاك من موضوع الجغرافيا ودورها في تشكيل شخصية المجتمع التاريخية، ورأى أن اختلاف البيئات الجغرافية والتضاريس الطبيعية بين بلاد الشام من جهة ومصر والجزيرة العربية والمغرب من جهة أخرى تشكل تلك الحدود الفاصلة في تكوين مجتمعات متمايزة لا يمكن جمعها في بوتقة قومية واحدة.

شكلت النظرية الجغرافية الأساس الأول للفكرة القومية السورية عند سعادة. وهذا ما دفع القوى المناهضة له لتوجيه اتهامات له بالتعامل مع بريطانيا ضد فرنسا. فبريطانيا آنذاك كانت تنافس فرنسا وتريد أن تؤسس منظومة سياسية أطلقت عليها «الهلال الخصيب» تضم سورية الكبرى والعراق في اتحاد مشترك. وبما أن فرنسا كانت الدولة المنتدبة على لبنان اعتقلت سعادة وأخذت تبحث عن هيئة مارونية منافسة له تدافع عن الفكرة اللبنانية وتقاتل من أجل ترسيخها كهوية جديدة ونهائية.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1626 - السبت 17 فبراير 2007م الموافق 29 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً