صنع السلام في الشرق الأوسط سيكون صعبا تسويقه في هذه السنة. وعلى خلفية الصيف الماضي بما فيها حوادث من الحرب المدمرة في لبنان واستمرار شن الهجمات على الإسرائيليين والاجراءات القمعية ضد الفلسطينيين والقيادة غير الشعبية سواء كانت الاسرائيلية أم الفلسطينية وتفاقم الكارثة في العراق وأخيرا سلوك إيران المشاكس، كل هذه الحوادث لم تخدم السلام في الشرق الأوسط إذ نراها بعيدة جدا.
إلا أن المطلب الشعبي للسلام مرتفع، وتشير استطلاعات الرأي الى أن الاسرائيليين والفلسطينيين يؤيدون حلا يضم دولتين للصراع القائم ويتوقعون من زعمائهم والمجتمع الدولي بذل جهود أكبر من أجل تحقيق ذلك.
في نهاية العام الماضي، شاركت في مؤتمر مدريد بمناسبة الذكرى الخامسة عشرة لاجتماع العام 1991 الذي نمت منه عملية لمدة عقد من الزمن قريبة للغاية من نهاية رئاسة بيل كلينتون وذلك للتوصل الى تسوية فلسطينية اسرائيلية بالتفاوض.
هل يمكن إعادة إحياء روح مدريد؟ ففي النهاية، هي التي أدت الى التطورات الايجابية القائمة في يومنا هذا، مثل إنشاء سلطة فلسطينية وإطار محادثات بدلا من اللجوء الى الحرب.
إن من عقد مؤتمر مدريد هي منظمات المجتمع المدني وليست حكومات، وأوضحت كيف أنه من الممكن لأي نوع من المحادثات حتى ولو غير رسمية أن تساهم في إحياء البحث عن سلام مهما كانت الأوضاع صعبة.
لقد شكل الوفود وزراء سابقين ودبلوماسيين وبرلمانيين من «إسرائيل» والأراضي الفلسطينية والاردن ولبنان ومصر وسورية والاتحاد الأوروبي وروسيا والولايات المتحدة.
ما قيل كان متوقعا بشكل أو بآخر. الوفد الفلسطيني شكا من ما أسموه «بأطول احتلال في التاريخ الحديث». وأدان الوفد الاسرائيلي حكومة حماس التي ترفض الاعتراف بشرعية وجود «إسرائيل» واتهم الحكومة السورية بدعم الإرهاب. وأما عن الوفد السوري، فقد شكا من الولايات المتحدة و «اسرائيل» اللتين تشوهان دورها في المنطقة، فيما حمل الوفد اللبناني سورية و «اسرائيل» مسئولية التدخل في شئون الدولة.
لكن تصفية حسابات مثل هذه التعليقات كانت يطغى عليها الاتفاق الذي توصلوا اليه في نهاية المؤتمر عن الحاجة الى وضع إطار للتحرك الى الأمام.
معظم الوفود تؤيد حلا يضم دولتين وضمانات أمنية لـ «اسرائيل» والتوصل الى تسوية تفاوضيه لقضايا الحدود واللاجئين ضمن ثوابت خطة كلينتون للسلام سنة 2000، و «خريطة الطريق» العام 2002 التي اعتمدتها الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وروسيا والامم المتحدة، فضلا عن اقتراح قدمته السعودية العام 2002 وصدقت عليه أعضاء الجامعة العربية الإثنان والعشرون العام الماضي.
من غير المعقول أن نتوقع من «إسرائيل» المضي قدما بهذا الإطار إلا عندما تأخذ الولايات المتحدة على عاتقها دورا أكثر فعالية في عملية السلام.
إن إعلان وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس الغامض التي صرحت من خلاله عن عقد مؤتمر فلسطيني إسرائيلي في المستقبل القريب وهي خطوة ايجابية في هذا الاتجاه، إلا أن هناك الكثير مما هو مطلوب.
في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، حذرت مجموعة الدراسة العراقية التابعة الى حزبين برئاسة وزير الخارجية الاميريكي السابق جيمس بيكر والنائب السابق لي هاملتون وحذر من ان «الولايات المتحدة لن تتمكن من تحقيق اهدافها في الشرق الأوسط ما لم تتعامل (هي) مباشرة مع الصراع العربي الاسرائيلي».
وفي رسالة الى وفود مدريد، أشار بيكر الى «ان هذا المؤتمر قد جاء في الوقت المناسب، وطرح امكان الانتقال نحو حل الصراع». ومن جهته، قال الرئيس كلينتون للمندوبين إنه «من خلال وجودنا هنا سويا وعلى رغم خلافاتنا، عليكم أن ترسلوا رسالة قوية مفادها أن السلام يمكنه وينبغي أن يتحقق».
في الخريف الماضي، مؤسسة مكتبة جون كنيدي شكلت مجموعة من الصحافيين الفلسطينيين والاسرائيليين وذلك لعقد مؤتمر لمدة ثلاثة أيام في بوسطن. وبعد موجة من التردد والعداء، بدأ الصحافيون مناقشة التحديات في مقدمة التقارير عن الصراع الذي يحدد مسار حياتهم.
لقد تمكن الصحافيون من إيجاد أمور مشتركة وخبرات مماثلة، مكشفين عن أدوارهم في تشكيل رأي عام لدى كلا طرفي الصراع. وفي النهاية، وافقوا وتحت رعاية مؤسسة مكتبة كنيدي على مواصلة الاتصلات بينهم عبر الحدود.
وقد أخذ وفود المؤتمر المنعقد الشهر الماضي خطوات مماثلة، فالأمر الآن متروك بيد حكوماتهم وحكوماتنا لإحياء المباحثات عن سلام في الشرق الاوسط.
* الرئيس التنفيذي لمؤسسة «مكتبة جون كينيدين» وقد شغل أيضا منصب مساعد وزيرة الخارجية للديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل في إدارة كلينتون، وهو أيضا مؤلف «الحرية على النار»، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1626 - السبت 17 فبراير 2007م الموافق 29 محرم 1428هـ