وباعتبار الولايات المتحدة أضخم مصدر للتلوث في العالم، والمسئولة عما يقرب من ربع الغازات الكربونية المنبعثة على مستوى العالم، فربما يكون إحجامها عن تقديم المزيد من العون مفهوما. إلا أن مزاعم بوش بأن أميركا غير قادرة على القيام بأي عمل لعلاج مسألة الاحترار العالمي لا تقوم على أي أساس من الصحة: ذلك أن دولا صناعية متقدمة أخرى، وتتمتع بمستويات معيشية مشابهة، لا تتسبب إلا في انبعاث كسر ضئيل مما تتسبب الولايات المتحدة في انبعاثه عن كل دولار من الناتج المحلي الإجمالي.
مثل هذا التقاعس الأميركي هو الذي يفسر إصرار الرئيس الأميركي جورج بوش على القول بالحاجة لإجراء مزيد من الأبحاث قبل أن يفرض ضرائب تأديبية على الصناعات التي تزيد فيها انبعاث الكربون.
ومثل هذا الاستخفاف بخطورة التغير المناخي من قبل إدارة بوش يلمح له ثوماس فريدمان في أحد أعمدته، حين يقارن، أولا، بين خطورة التغير المناخي لدى حكومة البيرو، والولايات المتحدة، فبينما لا تعتبر البيرو اهتمامها بذلك «هواية ولا ترفا ذهنيا، إذ تعتمد حياة الغالبية على الأرض، وإذ يعيش الناس على حافة الخطر الداهم. ذلك لكون «الطبقة الجليدية (التي تحيط بالبيرو) هي حياتنا التي نعتمد عليها، سواء في مياه الشرب أم في زراعة المحاصيل التي نعيش عليها. وما أن تتقلص هذه الطبقة حتى تصبح حياتنا في خطر فعلي».
ثم يعود للحديث عن موقف واشنطن، والكلام ما يزال لفريدمان «اننا في الولايات المتحدة لا نبدي قلقا إزاء ظاهرة التغير المناخي، إلا عندما تهب علينا رياح عاصفة مدمرة من طراز إعصار كاترينا. ومهما يكن فإن لنا من الموارد ما يجعلنا قادرين على مواجهتها».
ولعل فريدمان ليس الوحيد الذي يحذر من خطورة التغير المناخي ومسؤولية الولايات المتحدة تجاهه في آن. فها هو السير ديفيد كينج كبير المستشارين العلميين بالحكومة البريطانية يذهب إلى حد القول بأن تغير المناخ يمثل تهديدا على العالم أكبر مما يمثله الإرهاب الدولي. ويؤكد السير ديفيد أن بريطانيا دعت الاقتصاديات المتطورة في العالم إلى خفض انبعاث الغازات الضارة بنسبة 60 في المئة من معدلات العام 1990 حتى العام 2050 بموجب اتفاق الأمم المتحدة لتغير المناخ.
لكنه بالمقابل يوضح «ان الولايات المتحدة فشلت في خفض انبعاث الغازات الضارة، مشيرا إلى أن ذلك قد يؤدي إلى أن تعصف الفيضانات والجفاف والجوع بملايين الأشخاص حول العالم في حال عدم اتخاذ إجراء سريع. وينتقد السير ديفيد انتقد الإدارة الأميركية لاعتمادها بشكل خاص على المحفزات القائمة على السوق وعلى الأعمال التطوعية».
وصرح السير ديفيد لمجلة العلوم الأميركية قائلا «ينبغي على الولايات المتحدة كقوة عظمى وحيدة في العالم أن تقوم بتنسيق الإجراءات الدولية، غير أن الحكومة الأميركية قد فشلت حتى الآن في أن تواجه التحدي الذي يمثله الاحتباس الحراري».
وفي السياق ذاته وصف عالم الفيزياء البريطاني ستيفن هوكينغ التغير المناخي على الأرض بأنه أشد خطورة على الكوكب من الإرهاب.
وحذر هوكينغ من «اننا بوصفنا مواطنين في العالم، فإنه يقع على عاتقنا واجب تحذير عامة الناس من المخاطر غير الضرورية التي نعيش معها كل يوم».
وكان عالم بريطاني آخر قد رسم صورة مرعبة للعام 2007 بيئيا، متوقعا تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري بشكل يجعل هذا العام أحد أكثر أعوام التاريخ سخونة.
وتوقع مدير أبحاث المناخ في جامعة أنجليا الشرقية فيل جونز، من موجات جفاف كبيرة في استراليا، وأعاصير في آسيا، وفيضانات في أميركا الجنوبية، مع توقع تعرض التوازن البيئي لكوارث، بسبب تفاقم ظاهرة «النينو»، المدفوعة بتزايد الغازات الدفيئة.
ومن الواضح أن التجاهل الأميركي لهذه المسألة الخطرة لا يشجع الآخرين على اتخاذ ما يجب القيام به. إذ يبدو أن أي بلد لا يريد أن يجازف بالضرر الاقتصادي من تقليص انبعاث من الكربون إلا إذا كان متأكدا أن البلدان الأخرى ستفعل الشيء ذاته. لكن في حقيقة الأمر، وكما قال السير نيكولاس شتيرن، الاقتصادي السابق في البنك الدولي، في عرضه الأخير، التكاليف الاقتصادية للعمل ضد الاحتباس الحراري أدنى بكثير من تكاليف العام مستعد حاليا لعمل جدي وعلى السياسيين في هذا العام أن يستجيبوا في النهاية.
العدد 1626 - السبت 17 فبراير 2007م الموافق 29 محرم 1428هـ