العدد 1625 - الجمعة 16 فبراير 2007م الموافق 28 محرم 1428هـ

محافظات... بلديات... مجالس بلدية

فوزية مطر comments [at] alwasatnews.com

من يتتبع مهمات وعمل هذه المؤسسات الرسمية المعين منها والمنتخب ويدقق في حجم أجهزة كل منها يظن أننا نحيا في بلد مترامي الأطراف ذي بقعة جغرافية هائلة متباعدة وذي وجود سكاني ضخم.

في واقع الأمر نحن نعيش على واحدة من أصغر بقاع الدنيا (مساحة مملكة البحرين تساوي 665 كم مربعا أي 253 ميل مربع فقط)، وبتواجد سكاني لم يبلغ المليون بعد ( في العام 2005 بلغ عدد سكان المملكة 345، 688 ألف نسمة). لكننا مجتمع يهوى تعدد مراكز اتخاذ القرار ويفضل تنوع أجهزته وتضخمها على الاكتفاء بما يلزم لمجتمع صغير وبما يوفر الموارد لرفع مستوى معيشة أبنائه وتنعُّمهم بخيرات أرضهم.

هل نحن بحاجة فعلا لمحافظات وبلديات ومجالس بلدية في آن؟

هل نحن بحاجة لما بينها من تداخل وتقاطع وربما تضارب في الأدوار والمهمات؟

هل نحن بحاجة لإرباك كل طرف بصلاحيات غيره ما يؤثر سلبا على إنتاجيته ونوع الخدمة التي يقدمها لأفراد هذا المجتمع؟.

كان الله في عون أعضاء المجالس البلدية السابقين، فهم لم يجأروا بالشكوى طوال الأربع سنوات الفائتة من فراغ. لقد واجهت عملهم الكثير من العراقيل النابعة أساسا من التداخل والتقاطع مع أدوار البلديات والمحافظات. ذلك مما أفرغ منصب عضو المجلس البلدي من محتواه الحقيقي المتعارف عليه في دول العالم وحوّله - في الغالب - إلى منصب شرفي مظهري لا أكثر.

ولن نظلم هنا أعضاء المجالس البلدية المنتخبين العام 2002 وننكر ما تمكنوا من تحقيقه، فلهم منا كل الشكر والتقدير والامتنان. لكن ليسألهم أحدكم هل كانت مسالك عملهم سهلة ميسرة؟ هل قابلتهم مصاعب التعارض والتقاطع في الأدوار والصلاحيات مع البلديات والمحافظات؟ اسمعوا ردودهم وحينها ستعرفون كم واجهوا من مصاعب وعراقيل في وقت كانوا فيه تحت دائرة الأضواء الكاشفة المسلطة عليهم باستمرار كونهم يخوضون أول تجربة في عضوية المجالس البلدية المنتخبة ويدخلون امتحان أداء الأمانة للناخب البحريني. وبظننا فان انحسار الكثير من حماس الترشح للانتخابات البلدية في 2006 مقارنة بزخمها الكبير في 2002 يعود لذلك.

تداخل الأدوار والصلاحيات الذي نتحدث عنه يدعمه ما تتوفر عليه النصوص القانونية التي تؤطر تلك الأدوار والصلاحيات. فبقراءة فاحصة لقانون البلديات المعني بالبلديات والمجالس البلدية ولقانون المحافظات، سنضع أيدينا على نصوص لا تحوز الوضوح القاطع في الكثير من بنودها ما يجعلها شبه متعارضة ومما يوقع في التداخل الذي نتحدث عنه.

في الفصل الأول من قانون البلديات تنص المواد الأولى والثانية والثالثة على أن البلدية هي هيئة حكومية ذات شخصية اعتبارية تنشأ بمرسوم وتتولى إدارة المرافق العامة ذات الطابع المحلى التي تدخل في نطاق اختصاصها. وتنص المادة الرابعة على أن يتولى السلطات في كل بلدية طرفان هما: المجلس البلدي ويمارس سلطة إصدار اللوائح والقرارات والأوامر ومراقبة كل ذلك في حدود اختصاصاته. والجهاز التـنفيذي ويمارس سلطة التـنفيذ. وتنص المادتان (29) و(30) من الفصل الثالث في القانون ذاته على أنه لكل بلدية جهاز تـنفيذي يرأسه مدير عام لكل بلدية، يصدر بتعيـينه مرسوم وهو الذي يمثـله أمام القضاء وفي مواجهة الغير. وتنص المادة (31) على مهام المدير العام للبلدية التي يأتي على رأسها تـنفيذ قرارات المجلس البلدي.

ويعرّف القانون في فصله الثاني المجالس البلدية على أنها هيئات منتخبة من قبل أفراد الشعب كل حسب محافظته ودائرته الانتخابية وهي مجالس تقدم خدمات للناس في مجالات متعددة كالبيئة والتعليم والشباب والنظافة والصحة العامة والشوارع والطرق والمرافق العامة. وتسرد المادة (19) من الفصل الثاني صلاحيات المجلس البلدي في نقاط كثيرة لا تخرج في معظمها عن نطاق الاقتراح والمراقبة والعمل على ووضع النظم والنظر في وإبداء الرأي وكلها صلاحيات مشروطة في نهاية نصها بضرورة التنسيق مع الجهات المختصة. وضمن 25 اختصاص للمجالس البلدية تكاد لا تُذكر صلاحية التولي الحقيقي للسلطة في البلدية كما تنص عليها المادة الرابعة من القانون التي تمنح المجلس البلدي سلطة إصدار اللوائح والقرارات والأوامر والمراقبة. كما لا تمنح تلك الاختصاصات المجلس البلدي سلطة اتخاذ القرار إلا في نقطة أو نقطتين مذيلتين بضرورة التنسيق مع الجهات المختصة وكأن المجلس البلدي ليس مختصا بشيء. وهنا يمكننا أن نتساءل أي قرارات للمجلس البلدي على المدير العام للبلدية تنفيذها(مادة 4) ما دام المجلس البلدي غير مختص بإصدار القرارات؟

أما قانون نظام المحافظات الصادر العام 2002 فيعرّف المحافظة على أنها هيئة حكومية ذات شخصية اعتبارية ويكون لكل محافظة محافظ يدير شئونها. ويعتبر المحافظ ممثلا للسلطة التنفيذية في حدود محافظته. وتنص المادة الثامنة من القانون على أن يتولى المحافظ المهام التالية: المساهمة في الإشراف على الخدمات التي تقدمها مرافق وأجهزة الدولة الكائنة بالمحافظة، المحافظة على الأمن والنظام العام، رعاية وتشجيع التربية الدينية والأنشطة التربوية والتعليمية والاجتماعية والرياضية والثقافية والصحية وغيرها، متابعة تنفيذ الأجهزة المختلفة في المحافظة للقوانين والأنظمة الإدارية والتأكد من سلامة تطبيقها، وتلقي شكاوى المواطنين والعمل على إيجاد الحلول المناسبة لها بالتنسيق مع الجهات المختصة.

إذا كان المحافظ ممثلا للسلطة التنفيذية في محافظته، فحري أن يكون عمله تحت رقابة السلطة المنتخبة من الشعب في المحافظة ممثلة في المجلس البلدي لا أن يتولى هو مهمة السلطة الأعلى من قبيل ما تورده المادة الثامنة كالإشراف والمحافظة على الأمن والرعاية والمتابعة وتلقي الشكاوى. وإلاّ كيف نؤسس لمجتمع ديمقراطي يحوز الشعب فيه مشاركة حقيقية في السلطة؟ وإذا كانت مهمة المحافظ المحافظة على الأمن والنظام العام، فما هي مهمة الأجهزة الأمنية والشرطة في كل محافظة؟ ألا توجد قيادة أمن لكل منطقة أو محافظة؟. كما أن لجنة التنسيق التي تنص على تشكيلها المادة الثانية عشرة من القانون تتولى مهاما يتقاطع بعضها مع مهام المجلس البلدي والبعض الآخر مع مهام الجهاز التنفيذي في البلدية.

ما تطرقنا إليه من نصوص قانونية ليس سوى غيض من فيض البنود والنقاط التي لو دُرست بتركيز ومُحّصت باستفاضة، فستبرز بوضوح جوانب التقاطع والتداخل والتعارض. نحن - إذا - أمام أجهزة متعددة متضخمة(محافظات، بلديات، مجالس بلدية وأجهزة أمنية) تمتص من موازنته الدولة ما يثقل كاهلها متجاوزة مقتضيات الرقعة الجغرافية والتعداد السكاني في كل محافظة ودرجات احتياجها للخدمات التي تقدمها. ونحن أمام مهام متداخلة بين أكثر من طرف، ونحسب أن هذا الملف حري أن يوضع - في أقرب وقت - على طاولة السلطة التشريعية.

إقرأ أيضا لـ "فوزية مطر"

العدد 1625 - الجمعة 16 فبراير 2007م الموافق 28 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً