لا أعرف بالضبط قصة وزارة الإسكان التي تجعلها تتخبط يمينا يسارا في تطبيق المكرمة الملكية التي تفضل بها جلالته في العيد الوطني السابق على المواطنين، فقبلها سرت الكثير من الشائعات التي تفيد بأن هناك إسقاط لكل قروض الإسكان للمواطنين، وخصوصا أن هناك خطاب سابق لجلالته مفاده بأن هناك حلما كبير سيسعى لتحقيقه وإذا قال فعل، وهو «أرض لكل مواطن».
استبشر المواطن خيرا بالمكرمة ومع انتشار الشائعات بأن هناك إسقاطا لديون بنك الإسكان بدأ التفاعل معها ويربطونها بالخطابات الأخرى إلى جانب التوجهات العامة، ما حدث بالضبط يوم العيد الوطني ووقت بث كلمة جلالة الملك تسمرت الناس أمام شاشات التلفاز ليسمعوا بآذانهم المكرمة، وفعلا كان ما توقعوه ولكن ليس بحجم ما سمعوا عنه من شائعات، على أي حال ولكن هناك تخفيضا 50 في المئة على كافة الخدمات الإسكانية للجميع، بلا استثناء بل تشمل حتى هؤلاء الذين حصلوا على مكرمات أخرى سابقة قبل أربع سنوات.
عم الفرح الجميع وبدأ الناس يترقبون التطبيق العملي، وخصوصا أن كلمة جلالة الملك جدا واضحة وقاطعة ولا تحتمل أي تأويل أو تفسير وكل ما في الأمر أنهم يريدون إشعارا أو خطابا من وزارة الإسكان تفيد ذلك للاطمئنان أو تأثير ذلك في حساباتهم البنكية.
ما حصل إن وزارة الإسكان خرجت علينا بقصة غريبة عجيبة لا نعرف بدايتها من نهايتها من خلال وضع معايير مقيدة بحيث تتمكن من خلالها تقليل أعداد المستفيدين من المكرمة إلى أقل عدد ممكن، يتصرفون وكأنما البركة تأتي من خلالهم لا من خلال خطاب يأتي من أعلى السلطات فقد قالها من قبل ويؤكدها من جديد بأن هناك بيت لكل مواطن فهل وزارة الإسكان تستكثر على المواطنين ذلك برغم مساهمتهم بدفع نصف المبلغ، أم ماذا بالضبط؟
لو فكرنا قليلا بالمعايير التي يتحدثون عنها لوجدنا أمر عجاب، فكيف لهم على سبيل المثال أن يتكلموا عن دخل الأسرة وعدم اعتماد راتب رب الأسرة؟
منذ متى والمرأة تتحمل الإنفاق على أسرتها؟
كل ما يحصل من ممارسات حالية تأتي من خلال رغبات شخصية بل ان البعض غير مقتنع بها، وألا الشرع يستوجب من المرأة أن تنفق من راتبها على أسرتها وبيتها ولا القانون يفرض عليها ذلك، وتريد وزارة الإسكان بعد العمر الطويل أن تفرض ذلك لا بقوة الشرع ولا بقوة القانون ولكن بقوة المعايير.
كل ما في الأمر أن الزوجة تتعاون مع شريك حياتها في سبيل تذليل العقبات والمشكلات المالية التي تتعرض إليها كل الأسر البحرينية بغض النظر عن حجم الدخل، والفكرة الأساسية قائمة على أساس أنه عندما تدمج المرأة راتبها مع زوجها فإنها تحصل حينئذ على الحد الأعلى من القرض فيما يتعلق بقروض الشراء والبناء، ومع ذلك المبلغ الذي يحصلون عليه لا يمثل حتى نصف المبلغ المطلوب لاستكمال مشروع بيت والجميع يعلم ذلك.
إن حجم الأرباح أقل من الأرباح التي تجنيها البنوك الأخرى لذلك يطمح المواطن في الحصول على قروض الإسكان برغم أنها غير محرزة، وبالتالي تحميل المرأة أكثر مما ينبغي أحيانا خارج عن رغبتها لأن الاستقطاع يتم مباشرة من راتبها، وأحيانا يكون ذلك مجرد إجراء رسمي وتسترجع الزوجة المبلغ المستقطع من جديد من زوجها وهناك الكثير من الحالات الموجودة فعلا بيننا ويتحمل ذلك الزوج لوحده، وهناك زوجات لا ترغب في المساهمة ويفرض عليها لأنها دخلت كشريك.
ما أريد إيصاله بأنه ليس من العدل بمكان أن يحتسب دخل الأسرة كمعيار لتطبيق المكرمة بل الحكم فقط على راتب الزوج لا الاثنان معا، ثم أنه ليس من العدل أن يحدد الراتب بـ500 دينار، من قال أصلا بأن أصحاب الرواتب التي تتجاوز ذلك يعيشون حالة من اليسر، مع الغلاء المعيشي والالتزامات المالية؟، ولكم أن تتخيلوا لو أن الراتب التي نتكلم عنه 500 دينار وأن قرض الإسكان 190 دينارا فكم يتبقى من الراتب؟
290 دينارا، فهل يكفي الفرد أن يعيش حياة كريمة وفق المبلغ المتبقي؟
ثم ان جلالة الملك لم يذكر ذلك في كلمته ولم يشر إلى ذلك لا من قريب ولا من بعيد، فكيف لوزارة الإسكان أن تجتهد وتقرر بأن تكون هناك معايير؟، ولماذا لم يكن هناك معايير كهذه في الماضي؟
هل ستقولون تفادي ما حدث؟
ليس من العدل بمكان أن المستفيدين السابقين مروا دون تعقيدات وحاليا التعقيدات تفرض نفسها على الجميع، ثم أن جلالة الملك ذكر في كلمته ان المكرمة تطبق حتى على المستفيدين السابقين، وهذا يعني أنهم سيدفعون فقط ربع المبلغ، وأن الجدد المنظمين لهم سيدفعون النصف.
قالها جلالة الملك وفق رؤية محددة، لأن هناك بعد أربع سنوات أخرى مكرمة من نفس النوع ليتساوى فيها الجميع، لا بغرض استثناء البعض المستحق لها كما سيحصل إذا ما طبقت وزارة الإسكان معاييرها.
كذلك الحال بالنسبة لبدل السكن، فليس من المعقول أن يحتسب دخل الأسرة من راتب الزوج والزوجة، لان الأخيرة ليس من مسئولياتها ولا من واجباتها أن تتحمل ذلك، وأن هذا الأمر سيحرج الكثير من العائلات، وبالتالي ازدياد المشاكل الاجتماعية والزوجية بين الناس الذين هم في غنى عنها.
فالتعاون والمشاركة يأتي من الداخل ولا يفرض من الخارج، والناس تطمح إلى الحصول على مساكن من أجل الاستقرار الأسري، لا من أجل التأسيس إلى مشكلات.
ووفقا لما هو قائم حاليا فإن هناك أضرار حتما ستلقى بظلالها على أغلب الأسر، تخيلوا أن المشاكل الزوجية ستأتي من اليوم وصاعدا من مجرد أن يفكروا في خدمة إسكانية لأن هناك محاصصات لا ينبغي أن تكون عرفا اجتماعيا وهي تتعارض مع الأحكام الشرعية، كما أن المبلغ المحدد حاليا 100 دينار محدود جدا ولا يفي بالغرض، فالإيجارات تتراوح ما بين 120 - 170 دينارا وعندما نريد أن نحل مشكلة فيجب ان نضع الحلول لها لا أن نعقدها.
المطلوب من وزارة الإسكان إعادة النظر من جديد في المعايير، وغض الطرف عنها، والاستماع من جديد إلى كلمة جلالة الملك فقد كانت واضحة، وبالتالي لسنا بحاجة إلى معايير للحد من الفئة المستهدفة، وعلى الوزارة عدم إفراغ المكرمة التي تكرم بها الملك في عيد جلوسه إلى مواطنيه، وانهاء الموضة الجديدة التي تفضلت بها علينا وزارة الإسكان، بعد أن دخلت الفرحة إلى قلوب الناس.
على وزارة الإسكان أن تقول خيرا أو أن تسكت، وتبتعد عن التقليعات التي من شأنها أن تنغص على الناس فرحتهم، وتبعدهم عن تحقيق أهدافهم وطموحهم، وتزايد عليهم بالمعايير والمشاكل التي قد تثار بسببها، وبدلا من ذلك عليها أن تضع المعايير التي من خلالها تقلل من الفساد المالي الذي أكل الأخضر واليابس ولم يترك للمواطنين شيئا.
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1625 - الجمعة 16 فبراير 2007م الموافق 28 محرم 1428هـ