العدد 1625 - الجمعة 16 فبراير 2007م الموافق 28 محرم 1428هـ

الإنماء السياسي في البحرين... هل من منظور مستقبلي؟

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

أعزائي القرّاء،

دعونا لوهلة نتصوّر تحقق أزهى أحلامنا الوردية مستقبلا، تخيلوا على سبيل المثال تحقيق تجربة بنك الفقراء في البحرين نجاحات خارقة ومعجزة فاقت ما حققته هذه التجربة في بلدها الأم بنغلادش وبلدان أخرى، وذلك رغم كل العوائق والظروف المحيطية الصعبة التي واجهت هذه التجربة منذ تدشينها.

تخيلوا أن يتم منح الفقر حقوق مواطنته كاملة من تعليم وترشيد وعلاج صحي، أن ينزل الفقر إلى أدنى مستوياته منذ ما يقارب القرن بعد أن يعم الرخاء المعيشي معظم شعب البحرين قديمه وجديده بعد أن يتم توجيه معظم الفوائض والتدفقات المالية إلى قنوات التنمية البشرية المتنوعة وتحسين الوضع المعيشي للمواطنين.

أن يبادر فقراء البحرين الذين أصبحوا بفضل خدمات البنك وقروضه منتجين ومبدعين ومساهمين في ملكيته لإقامة نصب تذكاري للبروفيسور الاقتصادي محمد يونس في أحد الشوارع الرئيسية بالعاصمة المنامة، وأن يتم إطلاق حملات شعبية للمطالبة بمكافأة المنقذ يونس وتكريمه بالجنسية البحرينية جزاء وفاقا لما قدمه من خدمة جليلة للبحرين وأهلها حينما أنقذهم من محنتهم المعيشية المزمنة بفكرته العبقرية البيضاء، ومبادرته الكريمة لاستهلال أول موطئ قدم لمشروعه على أرض البحرين من بين 22 دولة عربية، فنحصل حينها على مثال مقتدر وبارز لما يسمى بــ«الخدمات الجليلة» الموجبة للجنسية البحرينية.

كما أننا حينها وبعد الانتهاء من تسوية جميع الملفات المعيشية المتأزمة منذ أجل بعيد في هذه البلاد، وحينما يضمن المواطن الفقير أن يجد ما يروي عطشه ويسد جوعه قد يكون واضحا ومشروعا أن نتحدّث عن جدوى أي تصور مستقبلي منظور للتنمية السياسية أو الإنماء السياسي الحقيقي في البلاد، أو حتى في أسوأ الأحوال مستقبل الاستزراع السياسي طردا لشبح التصحر والتقحل المحتمل للتربة الفكرية المجتمعية بفضل إدارة ومراكمة ملفات هذه الأزمات المعتقة بدلا من حلها، عسى أن نكون بذلك ساهمنا في ترضية أصحاب المنطق المعكوس والحول السياسي من نواب الشعب الذين يأملون «تحسين أحوال الشعب» قبل تحسين أرصدتهم التشريعية الدستورية لا المالية البنكية!

وإن كنا قد طرحنا سابقا تساؤلا مفاده التفكير في مستقبل المشروع الإصلاحي بالمملكة وشكل مساراته، ومدى قدرتها على الاستمرارية في تحقيق أهدافه المرسومة له، وعمن سيقف في قائمة التضحيات مقابل قائمة التعديلات والتطويرات الجوهرية في القطاعات كافة، بل وإدارة هذه التعديلات والتطويرات والتغييرات «المتدرجة»، وإن كانت شكلية، على أفضل وجه ممكن!

فإننا ومن أجل طرح واقعي وعقلاني حول التصور المستقبلي الملموس لمسارات التنمية والإنماء السياسي، وشكل التطور في الأنظمة السياسية المعاصرة تلبية لحاجة ملحة تقتضي منا أن نفتح بقلق العديد من الملفات المرتبطة بحقل التنمية والإنماء السياسي هنا في البحرين، والتي لا بد أن نصل من خلالها إلى حل واستعراض جدي للخيارات المتاحة للتعامل معها من قبل السلطات وشركائها حسبما تقتضي في ذلك الأصول الشرعية!

ولعل من بين تلك الملفات العالقة التي تحتاج إلى فتح وإعادة فتح مرات ومرات أخرى، والتي فيما يبدو أنها أصيبت هي الأخرى بــ«شعثة» لا فكاك منها حتى الآن، هو ما يرتبط بتأدية الأدوار والواجبات في عملية التنمية السياسية الحقيقية والذي فيما يبدو أنه،وبناء على سلسلة من الحوادث الإجرائية التي لا يتسع المجال لذكرها، قد آثرت الدولة وأجهزتها السلطوية أن تتكفل بها بحسب معايير أبوية وإرشادية صارمة تحت حكم أدواتها وتشريعاته المحبوكة جيدا، وذلك بدلا من أن يتم التعاون والتنسيق الطبيعي مع منظمات المجتمع المدني وأعني بها على وجه التخصيص تلك المرتبطة بالتيار الوطني الديمقراطي الزاخر بكفاءات سياسية ونضالية تاريخية لا يمكن أن يتم التنكر لها وطنيا للقيام بتلك المهمة ذات الأفق التقدمي.

وهو ما يدع المجال مفتوحا لسائر الأقوال التشكيكية التي ترى أصلا ريبة تجاه بعض الإرادات العليا والأطراف المتنفذة لميلاد مجتمع المدني حقيقي يساهم في شراكة تحقيق التنمية السياسية، طالما لم تكن لهذا المجتمع المدني الوليد ملامحها وصفاتها المتوارثة شكليا وضمنيا، فاستعيض بالمجتمع المدني الحقيقي بجمعيات وعصابات وتحالفات «الغونغو»، واستبدلت الدراسات والمقولات النقدية للأزمات السياسية القائمة بجهود مخلصين، وذلك بطائل من مقالات «البوس» والصقل والتلميع والسلق السياسي والاجتماعي، أو بصورة أكثر «ذربا» بيانات العلاقات العامة رديئة الحبكة إذا ما كتبها أحيانا حثالات !

وبما أننا في طور الحديث عن وجود مجتمع مدني حقيقي في البحرين يعمل باستقلالية نقدية ذات أطر جدلية مع الدولة في تحقيق شراكة النهوض بالوعي المجتمعي السياسي في البلاد، وترسيخ جهود التنمية السياسية المتعددة، فإننا نرى للأسف من «مثقاب / منظار» هذا الواقع المأساوي الذي تكاد أن تنشطر فيه المأساة طائفيا وإثنيا هي الأخرى بأننا في حاجة ماسة إلى إعادة تفعيل مفهوم المواطنة، بما يتضمنه من صهر اجتماعي وسياسي واقتصادي وطني، وذلك ضمن قالب حقوقي ينسجم الاتفاق حوله في مختلف الشرائع المحلية والدولية بدلا من الاستناد والاتكال على صورة «المواطنة» المرادة كمجموعة من التكتيكات السياسية الانتهازية التي يتم اللجوء إليها من قبل الدولة موسميا لأغراض تتعلق بتحقيق مصالح خاصة ولانتزاع مكاسب إعلانية سياسية ودعايات نموذجية في الخارج، وهو ما لن يجد نفعا بتاتا في مواجهة حمى الهذيان الطائفي المتفشية في المنطقة!

أما بخصوص ملف تمكين المرأة سياسيا، فإننا لا ننكر أبدا جهود تنموية وتوعوية قامت وتقوم بها عدد من الجهات المختصة بهذا الملف في المملكة بما فيها «المجلس الأعلى للمرأة» و«معهد التنمية السياسية»، إلا أنها للأسف جهود على الرغم من مثاليتها ونموذجيتها ما أن يتم تصريفها في قنوات مجتمعية وسياسية صلبة وقائمة إلا وينتهي بها المطاف في بحر من المتناقضات والازدواجيات الغامرة لمفاصل التركيبة السياسية والاجتماعية المعاصرة محليا في البلاد، مما ينزع دوما إلى إلقاء هذا الملف الساخن خارج سياق الأولويات السياسية التنموية بحرينيا.

فحينما تصطدم تلك الجهود بدعم مادي ومعنوي يترافق مع تواطؤ مؤسسي موجه من أطراف متنفذة عليا لصالح ثلة من المترشحين الرجعيين الوظيفيين دون غيرهم، مما أضاف إليهم حصانة مؤسسة واقعيا على حصانتهم الربانية المزعومة، فلا داع إذا لكل ذلك الصرف والتبذير السياسي التنموي طالما أن البيئة السياسية المتفسخة غير مؤاتية ومواكبة لتلك المساعي الحميدة والمبادرات الكريمة المتصادمة معها في الأعلى، وطالما لم تولد حتى الآن جهودأ قادرة على الاعتراف بالعلة البيئية التنظيمية ومن ثم المناداة بإصلاحها بكل ما فيها من اختلالات وتشوهات وتجاوزات!

وإن كنا نتحدث عن دور وزارة الإعلام الراهن في أية خطوة سياسية تنموية؛ فإننا نرجو الالتزام بطيب الصمت منعا للإحراج أو ربما حدادا على ما الحالة الصحية المتدنية للحريات في البلاد في مجالات الطباعة والنشر، والتي أبدعت وزارة الإعلام في إيصال هذه الحريات إلى ما هي عليه من تدنٍ وانخفاض بتبني عقلية المنع والمصادرة والقمع التي لم تغادر حتى الآن محارق القرون الوسطى!

وهو ما نتج عنه منع ومصادرة لعدد من الكتب والمطبوعات السياسية وتعليق بعضها في غياهب الغيب إلى أجل غير مسمى ونذكر منها مذكرات المناضل الوطني عبدالرحمن الباكر، وكتاب للباحث أحمد حميدان عن هيئة الاتحاد الوطني، بالإضافة إلى كتاب الباحث السياسي الأميركي إيميل نخلة حول البحرين، حيث لا يكفي الوعي الاجتماعي السياسي في البلاد ما عليه من تسطح وانخفاض وابتعاد عن الإلمام التاريخي الوطني، حتى تتخذ في حقه وحق مراكز البحوث والدراسات المستقلة والخاصة مثل تلك الخطوات التصفوية، ولكنها للأسف تظل ترنحات طائشة وجوفاء خارج سياق ومنطق العصر!

لذا بات من الأولى واحتراما لازما لذكرى ميثاق العمل الوطني أن توضع مثل تلك المحاور الساخنة والمتأزمة في مقامها المعتبر محفوفة بجدية النظر والبحث والتصور لشكل ومنظور التنمية السياسية وتطور الأنظمة السياسية في البحرين مستقبلا بدلا من اللجوء إلى تلفيقات «الغونغو» الخاوية الجدوى، والتعويل على تكريس ثقافوي للولاءات المنقسمة طائفيا وطبقيا وإثنيا، فننل جراء ذلك تجربة من «الشرهات» و»المكرمات» الديمقراطية الفريدة عوضا عن ما يتمناه الشعب من نموذج ديمقراطي حقوقي مؤسسي محتذى في المنطقة والعالم، وهو ليس بكثير على حق البحرين وشعبها ونخبها من رواد التمدن والتحضر الوطني في المنطقة.

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1625 - الجمعة 16 فبراير 2007م الموافق 28 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً