وعودة للحديث عن كتاب مجلة «العربي»، نجد أن سليمان العسكري مرة أخرى يضع إصبعه على جرح الثقافة العلمية العربية حين يفصح - في المقدمة التي وضعها للكتاب - عن الأسباب التي دفعت مجلة العربي لتخصيص واحدة من الندوات التي درجت على تنظيمها طيلة السنوات الماضية، للبحث عن الثقافة العلمية الغائبة في العالم العربي. ويضيف العسكري في كلمته التي تصدرت الكتاب «لا سبيل إلى الهروب، من الاعتراف بأن المواطن العربي يعاني من حال متراكمة من الجهالة العلمية، فلا مناخ محفز، ولا ثقافة علمية حاضنة. وفي ظل تقهقر غير مسبوق، سيؤدي إذا ما استمر على الوتيرة نفسها، إلى إرجاعنا للحياة في كهوف الماضي».
سأتجاوز النمط التقليدي في مراجعات الكتب، والتي تحاول، ومن منطلق صحيح، تناول أكثر مواد الكتاب إثارة للنقاش. وعوضا عن ذلك سأشارك القارئ ما شدني لشراء الكتاب، ومن ثم قراءته.
يتصدر مقال نبيل علي محور: تكنولوجيا المعلومات ومستقبل الثقافة العلمية، وعنوانه «تكنولوجيا المعلومات وتطور العلم من منظور الثقافة العلمية». المقال غني في خلفيته الفلسفية وفي تشخيصه للنقلة لمعرفة عصر المعلومات وتأثيراتها على الدورة الكاملة لإكساب المعرفة والتي من وجهة علي «تشمل المهمات الرئيسية الآتية: النفاذ إلى مصادر المعرفة، استيعاب المعرفة وتبادلها، توظيف المعرفة، توليد المعرفة الجديدة، وأخيرا إهلاك المعرفة المتقادمة وإحلال المعرفة الجديدة».
ما يحز في النفس هنا أن مجموعة الأشكال التي يرجعنا إليها الباحث لم تكن موجودة في متن البحث، ولربما سقطت سهوا.
في المحور الثاني ذاته، هناك دراسة زينب شحاته مهران، المعنونة «الكتابة العلمية للأطفال: من أجل خلق أجيال تهتم بالعلم والتكنولوجيا». تستهل شحاته دراستها بمقطع لعالم الفلك الأميركي كارل ساجان يقول فيه «يبدأ كل إنسان منا حياته وكأنه واحد من العلماء، فتكمن في داخل كل طفل مشاعر وأحاسيس العالم التي تجعله يتعجب ويندهش إزاء الأشياء من حوله في الطبيعة».
ثم تنطلق المؤلفة من أرضية صحيحة تقول فيها إن أية دولة لن تستطيع «أن تواكب العصر الحديث إلا إذا كان لديها مجتمع يفهم العلم». وتلخص مواصفات أفراد المجتمع المثقف علميا بأنها «فهم عالم الطبيعة من حولهم والتعرف على ملامح التنوع فيه وملامح الوحدة والترابط، إدراك المفاهيم الأساسية والمحورية والمبادئ التي تقوم العلم، استيعاب الطرق المهمة التي يتفاعل من خلالها العلم والرياضيات والتكنولوجيا مع بعضها بعضا، إدراك أن العلم والتكنولوجيا هي مشروعات بشرية لها ملامح القوة مثلما لها من ملامح الضعف والمحدودية، ممارسة التفكير العلمي وتطبيقه في الحياة الخاصة والعلامة».
وتصر الكاتبة على توفر خمس صفات أساسية في الكاتب العلمي للأطفال من بين أهمها أن يكون محبا للعلم أولا وطفلا ثانيا.
وفي المحور الرابع والذي هو نشر الثقافة العلمية - تطبيقات وتجارب، تطالعنا دراسة فريدة محمد العوضي المعنونة» صناع الثقافة العلمية: واقع النشر العلمي في العالم العربي. وتعتبر العوضي «النشر العلمي المحصلة النهائية للبحوث العلمية، والمدخل الأول لنشر المعرفة العلمية». كما ترى فيه «البنية الأساسية لتأسيس التعليم بجميع مراحله».
وأخيرا نصل إلى مسك الختام بمقال عدنان الحموي الذي يتناول تجربته في مجلة «العلوم» التي يجد فيها العالم العربي ترجمة علمية دقيقة لما يرد من مقالات علمية باللغة الإنجليزية تنشرها مجلة (Scientific American) التي تأسست في العام 1845 وتصدر 18 لغة عالمية.
ويلفت الحموي إلى أن ليس «إقدام مؤسسة الكويت للتقدم العلمي على إصدار مجلة «العلوم» ودعمها دعما كاملا... إلا استمرارا لتلك الجهود التي تبذلها لنشر الثقافة العلمية باللغة العربية».
الكتاب غني بما ورد فيه من مواد تتحدث عن ضرورة تعميق حركة الثقافة العلمية العربية والتي لا نحلم أكثر من أن نراها في تطور مستمر لما فيه خير هذه البلاد وتقدمها.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1624 - الخميس 15 فبراير 2007م الموافق 27 محرم 1428هـ