العدد 1623 - الأربعاء 14 فبراير 2007م الموافق 26 محرم 1428هـ

كيف «نفوشر» على بنغلاديش؟

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في مطلع الثمانينات، تعرّضت الولايات المتحدة الأميركية لموجةٍ من البرد والأمطار الشديدة، حتّى ضربت المياه الساحل الشرقي وأغرقت الكثير من المنازل هناك. حينها، حزن العالم كله، وهبّ لنجدتها، مع أنها أغنى دولة في العالم، وهكذا تبارت الدول والممالك والإمارات والسلطنات والجمهوريات في تقديم المساعدات «الإنسانية». وكان من بين أكثر دول العالم تفاعلا جمهورية بنغلاديش الشعبية، لعدة أسباب.

فبنغلاديش من الدول التي تتعرّض لفيضانات عارمة كل عام، فيغرق من يغرق وتبقى المنازل الطينية والأكواخ مغمورة لعدة أسابيع، فهي بالتالي أكثر إحساسا بمعاناة الأميركيين المساكين! كما أن شعبها شعب عاطفي رقيق، كل أفلامه تدور حول عذاب الحب ولوعة الشوق والبكاء... وهكذا لم تجد الحكومة البنغالية آنذاك مناصا من مدّ يد العون إلى أميركا المنكوبة! ولكن عندما جلست الحكومة لمناقشة ما يمكن تقديمه لم تجد غير (الخياش) لوفرتها، والتي يمكن أن يملأها الأميركيون بالرمال ووضعها على الساحل لمنع الأمواج من الوصول للمنازل.

ولا أتذكّر كيف استقبلت الحكومة الأميركية الاقتراح آنذاك، ربما رأت فيه إهانة لشرفها كدولةٍ عظمى، أو مسّا بكرامتها الوطنية أن تقبل مساعدة متواضعة من أفقر بلدان العالم على الإطلاق، وخصوصا أنها كانت تحت قيادة رونالد ريغان. وربما اعتذرت للحكومة البنغالية بلباقة عن قبول عرضها، وربما... وربما.

هذه الدولة الفقيرة جدا، والبسيطة جدا، والعاطفية جدا، خرج منها رجلٌ مبدعٌ اسمه محمد يونس، ليعالج مشكلة الفقر المستوطن، بإنشاء بنك خاص للفقراء، واستطاع أن يقدّم قروضا لسبعة ملايين فقير، غالبيتهم من النساء، ليقدّم تجربة إنسانية لفتت أنظار لجنة نوبل للسلام. فكيف يمكن أن تنشئ بنكا يقدم قروضا من دون ضمانات؟ أليس ذلك نقضا لكل أساسيات النظام الرأسمالي الربوي من الأساس؟

وهكذا قررت لجنة نوبل للسلام أن تمنحه جائزتها، إعجابا بمشروعه الجديد. على أن هذا الإعجاب لم يقتصر على اللجنة، وإنما تعداه إلى دول أخرى، حيث تمت استضافته في «بعض» البلدان، ونزل ضيفا على بعض وزاراتها، وعومل كما كان يُعامل الاسكندر الأكبر في البلدان التي يدخلها منتصرا.

على أن هذا الاستقبال الحار، أثار غضب بعض جماعات «الليبراليين الجدد»، فثار جدلٌ حادٌ حول الزيارة، تطوّر إلى تقديم برنامج ليبرالي مضاد لغزو البنغال، فـ «بنغلاديش ليست أغنى منا، ولا أفضل منا، ولابد من أن نقدم لها ما يثبت أننا أفضل منها»!

أحدهم قال محتدا: أصلا ما يفعله «بنك جرامين» خلاف نظرية ريكاردو! فكيف يقدّم هؤلاء الأغبياء قروضا من دون فوائد أو ضمانات، كيف سيربحون؟ ألا يرون أن مصارفنا الوطنية تربح 40 أو 50 مليون دينار على الأقل كل سنة بسبب بركات القروض؟ كيف ستربح لو اقتصرنا على حساب نسبة 0.05 % لمجرد التشغيل؟

ردّ ليبراليٌ آخر مستنكرا: قروض من دون ضمانات؟ وين صارت هاذي؟ ما يشوفون كيف نرهن البيوت؟ لو عندهم مخ لطبّقوا طريقة رهن البيوت علشان يشوفون كيف الربح!

أكمل الثالث: شلون يفكرون هاللون؟ بالله عليكم... أكثر أرباح بنوكنا من القروض الشخصية، ولو تقدّمها من دون ضمانات، (قبّض الفار شحمة)! ضحك المتحدث الأول وقال: نصفهم بيروحون بالقرض مصر أو العمرة، ونصفهم بيشترون بها موبايلات جديدة!

قال الثاني: عاد يريدون يكحلونا..! آخرتها... شعار المرحلة: «بنك جرامين» هو الحل! ما يشوفون لهم لعبة ثانية!

وختم الأول بقوله: كله فشار في فشار!

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1623 - الأربعاء 14 فبراير 2007م الموافق 26 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً