العدد 1623 - الأربعاء 14 فبراير 2007م الموافق 26 محرم 1428هـ

المبدلون في طليعة الأمة!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

بعدما استعرضنا في مقالنا السابق أبرز ما احتواه كتاب «الحرية أو الطوفان... دراسة موضوعية للخطاب السياسي الشرعي ومراحله التاريخية» للأمين العام لحزب الأمة و»الحركة السلفية» في الكويت الشيخ حاكم المطيري، وتطرقنا من خلاله إلى تأريخه لمراحل تطور وتغير الخطاب السياسي الشرعي الإسلامي بما فيها مرحلة الخطاب السياسي الشرعي المنزل والخطاب السياسي الشرعي المؤول، فإننا سنتناول في هذا المقال وباقتضاب شديد مرحلة الخطاب السياسي الشرعي المبدل كما وصفها مؤلف الكتاب وقام بتأريخ حوادثها بدءا من مرحلة الدولة العثمانية ومرورا بوقوع الأمة تحت براثن الاحتلال الغربي الهمجي، وإن تميزت هذه المرحلة الأخيرة بالردة والانقلاب الشامل على المبادئ السياسية الشرعية على رغم وجود بعض التحركات الإصلاحية كحركة الإمام محمد بن عبدالوهاب التي ما أن انطلقت في بواكيرها حتى ووجهت بسيل من اتهامات علماء السلاطين بأنها تهدف إلى «إثارة الناس على السلطة ليثوروا عليها ويعلنوا عصيانهم، وأن لهم أهدافا سياسية؟!» حسبما ذكر المؤلف ذلك في كتابه، إلا أنه رأى أن بريق حركة الإمام محمد بن عبدالوهاب قد بدأ في الخفوت حيث «عاد الخطاب السياسي الشرعي بعد قيام الدولة الإسلامية الجديدة في نجد إلى مفاهيم الخطاب السياسي المؤول، كما تقرر في كتب الأحكام السلطانية؛ كمشروعية العهد بالأمر إلى الأبناء كما كان عليه الحال في عصر بني أمية وبني العباس، من دون جعل الأمر شورى بين المسلمين كما كان عليه الحال في عصر الخلفاء الراشدين».

وما أن تنتهي من قراءة مؤلف الشيخ حاكم المطيري ومباحثه التجديدية من داخل منظومة الفقه الإسلامي السني، وتحديدا في مجال الخطاب السياسي الشرعي التي سعت إلى تأصيل المبادئ والمفاهيم السياسية الشرعية الناظمة لعلاقة الفرد بالدولة والإمام من مختلف الأبعاد والزوايا المنظورة، كما أنها ساهمت وبجرأة تستحق التقدير والإشادة في كشف وفضح الكثير من أشكال تمازج الترسبات السياسية التاريخية والمصلحية مع المبادئ والدعامات الأولية للخطاب السياسي الشرعي، حتى تتوقف أمام ربط حقيقي ومنطقي يشير إلى خطورة التحالفات التاريخية للقوى الرجعية الداخلية مع القوى الإمبريالية الخارجي وما لعبه من دور هدام في تدمير الأمة على مر العصور، وإفقار مخزونها الفكري والاجتهادي السياسي، وإقفار روحها من خصوبتها النضالية المرتوية من منابع الشرع الأصيل، حتى يكون جسد الأمة الذي أضنته الرجعية وجردته من ممكناته ووقاره غنيمة مستباحة لأي عدو داخلي أو خارجي يتربص شرا وسوءا بهذه الأمة!

وإن انتفى بالمعنى المادي الملموس وجود القصد الجنائي في التواطؤ بين تلك القوى الرجعية والقوى الإمبريالية إلا أن صيرورة الحوادث التاريخية المنطقية تبرز ذلك القصد من مواقع عدة ساهمت فيها الأطروحات الفقهية الرائجة والسائدة التي تدعو إلى الانصياع التام لأوامر وسياسات السلاطين والولاة على رغم بطشها وانتحاريتها وحماقتها الفجة، التي سلبت الفقراء والمحرومين والمجاهدين دفء الهروب إلى أحضان شرع الإلهي الذي لم يكن أبدا طاردا لهم منذ العصور الأولى التي ظهر فيها إشراقه، كما أنه لم يكن محبطا لآمالهم في الخلاص والتطهر، بالإضافة إلى استهداف جميع أشكال البحث العلمي في ثنايا الخطاب الشرعي، وإعادة النظر في أبرز مكوناته والمرتبطة بشكل مباشر بالأمور الدنيوية لكونها خاضعة لمنطق التحول الزمني والمكاني، بل إنها ساهمت في تأبيد أسباب البلاء والشقاء والانحطاط التنظيمي وحرمت الاستفادة من التجارب السياسية والأطر التنظيمية الإصلاحية للأمم والشعوب الإنسانية الأخرى التي ساهمت بشكل كبير في تحسين معيشة الإنسان وتحقيق رفاهيته وانتشاله من المهالك الدنيوية، في الوقت الذي استعان فيه الفاروق عمر بن الخطاب (رض) ببضع الأنظمة والقوانين المتطورة من الإمبراطوريات المجاورة للاستفادة منها في تنظيم الشئون الدنيوية لدولة المسلمين!

ولربما أحد أكثر الأخطاء العالقة في شراك الوعي هي تلك التي تتعلق بالمطابقة بين اصطلاح الرجعية وفعل التشبث «السلفي» بجذور المبادئ والأسس الشرعية الأصيلة، في حين قد تتجاهل تلك المطابقة الزوائد الترابية والرمادية المتاخمة والمحاذية لهذه الجذور والمختلطة بنسيجها فيما يكاد أن يوحدها ويدمجها معه في كينونة واحدة، ليظل من الصعب على الوعي الإسلامي التفريق بين أسس وثوابت شرعية من جهة وركام صفقات وتحالفات سياسية ومصالح، وهو ما ساعد في حد ذاته على خلط المفاهيم وتعطيل مكنة النقد الذاتي، وتمرين الخلايا على التباري في إيجاد الأعذار والمبررات لإسكات صراخ الفجيعة، وتمرير النكبات والكوارث والهزائم المتعاقبة جيلا فجيلا من دون وقفة تأمل ومصارحة ومساءلة للضمير، وهو ما أدى بمفاعيله السلبية إلى تركيز السلاطين والأولياء المقتنصين لوليمة الحكم وفقا لمنطق الغنيمة على منح المزيد من الاعتماد على المبدلين الشرعيين وهم حاملو تلك الرايات الفقهية الرجعية ممن ختم على قلوبهم بالدينار أو الدولار، وربما العقار!

ولا يمكن لأي مهتم بتاريخ المنطقة وحاضرها أن يغفل الدور القذر الذي مارسه علماء السلاطين في سبيل الحفاظ على جسد الغنيمة السلطوية في مخالب السلطان لا جسد الأمة المتروك في عراء المكائد والحروب والخيانات الصفراء من «المبدلون» ومنهم السلاطين وأنظمة الغنيمة العربية وبطانتهم الشرعية التي تزين جورهم وبغيهم بالصمت واجتراح التبريرات والأعذار، ولنا في ذلك الكثير من الأمثلة الحية في واقعنا الراهن التي تنادي بأن شرعية الحكم لا يمكن أن تكون إلا بالغلبة والقهر، وتحرم الخروج على ظلم وبغي السلاطين وردهم عن تواطئهم على مصالح الأمة وثوابتها الشرعية والوجودية.

هؤلاء المبدلون تراهم يقفون كالقطط السمان تحت سكب كثيف من ظلال الكراسي السلطوية، أو ربما قل هم إذا في طليعة الأمة خضوعا لمفاهيم هذا العصر، وليس عليهم إلا أن «يعفطوا» و «يعفطوا» كالتيس (أعزكم الله) ما أن تطالهم وتطال أسيادهم أشعة النقد والتشخيص، أو ربما أن يستحلوا نبش القبور في مكبات البؤس ليأتوا لنا بما يسموه «حكما شرعيا»، والشرع منه براء كبراءة عالم الدين الجليل من «عفط» هؤلاء!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1623 - الأربعاء 14 فبراير 2007م الموافق 26 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً