في «طبائع الاستملاك... قراءة في أمراض الحالة البحرينية»، للناقد الشاب نادر كاظم، طاقة ملفتة على الحفر والرصد والقراءة بأكثر من عين، علاوة على ذلك، النَفَس الطويل في الذهاب عميقا نحو مناطق ومساحات وإشكالات وظواهر وشواهد، بروح وقيم الباحث الحر والموضوعي والمستقل.

كتاب هو في الذروة من الجهد والاستنتاج. يبدو في اقتراحاته وتخريجاته لم يبرح الحيّز الذي انطلق منه: القذف بحزمة الإشكالات والأمراض في وجه المرحلة الراهنة، وصولا بها إلى مستقبل عليه أن يتعامل معها بحيادية مضاعفة، لأنها ستكون لحظتها بلغت وارتقت مرتقى عظيما!

لكأنه استنطاق للمستقبل. المستقبل الذي يراد له أن يكون أكثر حرية وقدرة على الدخول في شراكات مع الإنسان، وشراكات مع المكان المعني به ذلك الإنسان. مثل ذلك الاستنطاق للمستقبل عبر تفيكك الوثيقة، ومساءلة الحاضر المليء بأسباب الخروج وحقن الأوضاع بأمصال لن تسهم في تأكيد عافيته بقدر إسهامها في ترديها، يكشف عن حساسية الالتقاطات المستمرة التي عوّدنا عليها كاظم، لموضوعات يُراد أن تظل مسكوتا عنها، فيما الحال الراهنة تتطلب اقتحاما شجاعا، وتسلّحا منهجيا للتعاطي مع تلك الالتقاطات والموضوعات.

نادر كاظم صوت عميق، على هذا البلد أن يبدي شيئا من الخجل تجاه الجهود التي يبذلها والمشروعات التي يشتغل عليها.

***

في الوثيقة شاهد. ولن يتأتى لذلك الشاهد أن يسرد الغابر من الوجوه والحوادث والمواقف، ما لم يُقيّض له شاهد آخر قادر على الدخول بروح مغايرة، تتجلّى موضوع تلك الوثيقة. كثيرا ما يعاني الشاهد الأول من خرس ظاهر وبيّن، فيما الشاهد الثاني يأتي محمّلا بفصاحة وبلاغة الاشتغال على الاستنطاق.

***

كلما جئت من صفتي

أُطلُّ عليَّ

أُطلُّ على النيل

أدافع عن فكرتي

لتتسع الأرض أكثر مما اشتهيت...

أدافع عن رئتي لاصطياد الهواء...

وفي الوقت متّسعٌ للهباء...

ثلاثون سجنا وبيتا: تفاصيل وقتي

من الرافضين الغيارى على حزنهم

أدافع عن حصتي في الصعود

عن السرْب مستسلما للنوايا

عن الصبر في فضّة الابتلاء

عن الماء في شحّ أعمارنا

وعن وردة في انهمار السياج

أدافع عن مستقبل الليل في غربةٍ

ثلاثون همّا وجرحا تفاصيل حزني

جعفر الجمري