قال مخرج مسرحية تونسية مثيرة للجدل عن «التشدد الإسلامي» والحجاب إنه قد آن الأوان لمواجهة تنامي ظاهرة التطرف الديني عبر منابر الفن بتقليص الرقابة وتوسيع الحريات وليس باعتماد الأجهزة الأمنية. في المقابل انتزعت المسرحية أعلاه والتي تعرض لأول مرة بالعاصمة (تونس) إعجاب المتفرجين والنقاد على حد سواء لطرحها قضية ظهور ما يعرف بالتطرف الإسلامي في تونس بجرأة غير مألوفة في الأعمال الفنية في البلاد.
ويأتي عرض مسرحية «خمسون» للمخرج فاضل الجعايبي بعد انتظار دام ستة أشهر بسبب مطالبة وزارة الثقافة بتعديل مقاطع منها قبل أن تسمح بعرضها. وتنبش المسرحية في عدة حقب تاريخية منذ استقلال تونس عن فرنسا العام 1956 لكن الجزء الأكبر خصص للتركيز على تنامي ظاهرة التشدد الإسلامي ورفض ارتداء الحجاب الإسلامي لدوافع سياسية.
وقال الجعايبي إن «الحل في القضاء على التطرف الإسلامي بتونس لا يكمن في المواجهة الأمنية فحسب بل يمر أساسا عبر التخلص من الرقابة على الأعمال الفنية وفتح المجال لحرية التعبير وعدم كبتها كي لا تتحول إلى ردود فعل مدمرة».
ويتزامن العرض الأول للمسرحية في تونس مع تزايد الجدل عن الطريقة الأنسب للتصدي لزحف ما يعرف بالتطرف الإسلامي في تونس بعد اندلاع مواجهات مسلحة نادرة بين الأمن التونسي وجماعة سلفية في ضواحي العاصمة خلال الشهر الماضي قتل فيها 14 مسلحا واعتقل 15 آخرون بحسب مصادر رسمية.
وأثارت المسرحية فضول الكثير من المتفرجين من بينهم أنصار للدفاع عن حقوق الإنسان بسبب جرأتها غير المسبوقة بين الأعمال الفنية في البلاد ولتعرضها لوصف التنكيل بمعارضي الحكومة وخصوصا الإسلاميين منهم.
وقال الجعايبي: «المنطق الأمني والرقابي الذي تستخدمه السلطات ضد معارضيها يزرع بذور التطرف من بينها التطرف الإسلامي لذلك ليس هناك حل سحري باستثناء فتح منابر الفن والإعلام بحرية للتصدي لهذا الغول الخطير».
ويتجلى هذا الموقف الذي يتبناه المخرج بوضوح من خلال مشهد كاريكاتيري في المسرحية تظهر فيه مقدمة أخبار في التلفزيون الحكومي التونسي لتنبئ بتفجير إرهابي بعد ثلاثة أيام كاملة من وقوعه وتقول: «التحقيقات لاتزال جارية في كنف القانون». لكن مخرج المسرحية لم يرجع تنامي ظاهرة التطرف الإسلامي إلى تقلص الحريات فحسب بل أيضا إلى احتلال أراضٍ عربية مثل العراق وفلسطين إذ تقول إحدى الممثلات «أمل لم تتحول إلى متطرفة لو لم يزر شارون الحرم القدسي».
وتذكر في المسرحية عدة حركات إسلامية في العالم العربي مثل «الإخوان المسلمين» و«طالبان» والسلفية وجماعة أبومصعب الزرقاوي الذي قتل العام الماضي في غارة أميركية.
ونقلت المسرحية التي تدوم ساعتين وأربعين دقيقة مشاهد للتحقيق مع إسلاميين متهمين بتفجير إرهابي استعملت فيها كل الأساليب الممكنة للتعذيب. وهذه أول مرة يتم الحديث فيها علنا عن التعذيب في عمل فني تونسي. لكن الحكومة تنفي تعذيب معتقليها وتقول باستمرار إن جميع السجناء يحظون بمعاملة جيدة وفي إطار ما يكفله القانون.
ويقول الجعايبي الذي أخرج نحو 20 مسرحية وثلاثة أفلام «أنا والمؤلفة جليلة بكار نعرف جيدا خطورة ما أقدمنا عليه لكن أردنا أن نضع مشاهد التنكيل مرآة أمام السلطة والمعارضة والمواطن ليتحمل الجميع مسئولياته وتطرح مواقف بديلة يكون الحوار الحقيقي أساسها».
ويتابع «أنا سعيد لما أحدثته المسرحية من جدل وحراك فكري في صفوف المثقفين وعلى أعمدة الصحف ومن استقطاب لأعداد واسعة من الجمهور قد تعجز أحزاب معارضة عن استقطابها».
ويتطابق رأي المخرج الرافض للحجاب مع موقف الحكومة التونسية التي رفضت بدورها هذا اللباس واعتبرته زيا طائفيا وهو ما أثار حفيظة الإسلاميين.
وهنا يقول المخرج «ما هو الضرر إذا اتفق موقفي مع السلطة في رفض الحجاب (المسيس) والبحث عن قيم الحداثة للمجتمع التونسي».
ويضيف «أنجزت هذه المسرحية دفاعا عن قيم الحداثة في المجتمع التونسي ولكي لا تضطر ابنتي لارتداء الحجاب وتختار ما تريده».
وتتلخص وقائع المسرحية عن عودة «أمل» إلى تونس من باريس إذ انبهرت هناك بالحلم الإسلامي وانتقلت بذلك من الفكر الماركسي الذي ورثته عن والديها المناضلين اليساريين إلى الفكر الإسلامي.
وتجد «أمل» نفسها متورطة في قضية تفجير قامت بها صديقتها «جودة» الأستاذة.
وتحدث هذه الفاجعة اضطرابا في كامل البلاد محركة بذلك آليات مقاومة الإرهاب وواضعة وجها لوجه نظاما سياسيا صارما وديمقراطيين مغلوبين على أمرهم وإسلاميين متشددين ومواطنين راضخين وغير مبالين.
لكن الأمر الذي زاد الجدل حدة هو أن سهام النقد في المسرحية لم توجه لحركات التشدد الإسلامية فحسب بل طالت أيضا باقي أطياف المعارضة التي وصفت في أحد المشاهد بالجامدة وغير المؤثرة بالإضافة إلى مؤيدي النظام الذين دأبوا على ترديد عبارات التطبيل. كما لم تنسَ مؤلفة المسرحية الممثلة الشهيرة جليلة بكار أن توجه سهام نقدها إلى ضعف الأداء الإعلامي الحكومي وتخص التلفزيون الحكومي بهذا النقد.
وفيما وقف المتفرجون مصفقين لتحية الممثلين عند نهاية العرض تعبيرا عن إعجابهم بجرأة هذا العمل، خرج نشطاء يساريون غاضبون بعد مشاهدة المسرحية لكن الجعايبي علق على ذلك قائلا: «كيف يطالبون بديمقراطية ولا يقبلون حتى باختلاف الأفكار».
وقال فاضل الجعايبي: «أنجزت هذه المسرحية دفاعا عن قيم الحداثة في المجتمع التونسي ولكي لا تضطر ابنتي لارتداء الحجاب». وقال الناقد خماس الخياطي لـ «رويترز»: «المسرحية رائعة لسببين أولهما أن المخرج لا يتهم من تلبس الحجاب إلا إذا كان الدافع سياسيا أو تخريبيا وثانيهما تركيزه على المعالجة الأمنية السيئة وهذا أمر يحسب له وغير مسبوق».
ويقول فتحي بلحاج أحد المتفرجين الذي بدا منبهرا بالعرض لـ «رويترز»: «إنها مسرحية تدعو لقلب الموازين وإعادة التفكير في عدة أمور. إنها رائعة حقا».
وعرضت المسرحية العام الماضي في مسرح اوديون الشهير في باريس ولاقت إشادة واسعة.
العدد 1623 - الأربعاء 14 فبراير 2007م الموافق 26 محرم 1428هـ