قبل أن نخضع جميعا لعملية التنويم المغناطيسي، مع استمرار عرض تجربة «بنك الفقراء» في بنغلاديش، لابد من التذكير بتجاربنا التنموية الوطنية الرائدة، من أجل دعمها وتقويتهاوترسيخهافي حياة مجتمعنا.
ومع احترامنا الشديد للاقتصادي البنغالي محمد يونس وإنجازه الكبير في بلاده، فإن استنساخ تجربة «بنك جرامين» محكومٌ عليه بالفشل لو طُبّق في البحرين، لاختلاف الذهنية العامة، والفوارق الاقتصادية والواقع الاجتماعي بكل تعقيداته النفسية.
من هنا، سنكرّر الدعوة للاهتمام بتجاربنا الوطنية الخاصة بدل الاندفاع وراء سراب التجارب المستوردة. فتجربة الصناديق الخيرية بدأت بداية سليمة، بدوافع ذاتية وجماعية، تحوطها فلسفة التكافل الاجتماعي النابعة من الرؤية الإسلامية. وقد أثبتت أهميتها للجميع، إذ تقوم برفع جزء من الأعباء عن كاهل الدولة، في ملاحقة حالات الفقر الحادة ومعالجتها حسب الإمكانات المتاحة. ومن جانب آخر، تقي المجتمع من شرور الفقر وتداعياته الاجتماعية والأخلاقية، ولكم أن تتخيّلوا كم ستتضاعف الجرائم لو توقفت عجلة العمل الخيري اليوم.
انطلاقة تجربة الصناديق لم تكن سياسية، وإن جرى تسييس بعضها أيام الانتخابات، وكلنا يعرف بعض النواب الذين استغلوها في الترويج لأنفسهم. مع ذلك تبقى حالات الاستغلال قليلة، إذ حافظت أكثرية الصناديق على استقلالها ونأت بنفسها عن السياسة، لضمان استمرارية العمل الخيري في أداء وظائفه الإنسانية، وهو أمرٌ يحمد عليه القائمون على تلك الصناديق.
من ناحية الحجم، ربما يمكن تصنيف الصناديق إلى ثلاثة أحجام: الحجم الصغير (منطقة وموازنة وإمكانات صغيرة) ويقتصر على توفير الحد الأدنى من المعونات الشهرية؛ المتوسط (أوسع قليلا من حيث الإمكانات والعطاء)؛ والكبير: وهو الذي انتقل بتطلعاته من دائرة «تقديم السمك» إلى التفكير في «تعليم الصيد»، بتشجيع التعليم الجامعي، والاهتمام بالدروس الخصوصية لتقوية الطلاب الفقراء لرفع مستواهم الدراسي. وهي أفكارٌ ناضجةٌ من شأنها الإسهام الجدّي في كسر دائرة الفقر التي تطحن الأسر الفقيرة. والسؤال الأهم: كيف نتعامل مع التجربة، رسميا وشعبيا؟
من المؤكد أن تفاعل الجمهور يتناسب طرديا مع زيادة فعالية الصندوق وأنشطته وشفافيته، فكلما رأى الناس التوسع في المساعدات الدورية والطارئة والعلاج والتعليم كلما أقبلوا على دعمه. وقد حقّقت الصناديق نجاحات كبيرة في هذا المجال، بدليل إقدام عدد من الشركات الكبرى على التبرع لها في مواسم رمضان والأعياد وافتتاح المدارس، وأحيانا للبناء والترميم والعلاج أو الزواج.
في المقابل، أقدمت بعض مصارفنا «الوطنية» على فرض ضريبةٍ على التبرعات الشهرية للصناديق، فإذا تبرعتَ بدينار سيُقتَطع منك دينارٌ لخزانة البنك العتيد، إلاّ إذا قبلت بالتحويل على أساسٍ سنوي، وهو ما يعجز عنه أكثر المتبرعين، وبالتالي أسهمت هذه الخطوة غير المسئولة في تخفيض ايرادات الصناديق بما نسبته 35 إلى 45 في المئة، ولكم أن تتخيّلوا الضرر الذي لحق بالفقراء الذين يريدون أن ينشئوا لهم «بنكا» خاصا على غرار «بنك الفقراء البنغالي»!
رسميا، لدينا وزارةٌ موكلةٌ بالتنمية الاجتماعية، لكنها بدل العمل على دعم هذه المؤسسات، اتخذت إجراءات وقيودا أضعفت من الثقة بها، وأسوأها عرقلة تشكيل «الاتحاد العام للصناديق الخيرية»، الذي كان يُعوَّل عليه كثيرا في تعزيز العمل الخيري على المستوى الوطني، بسبب «التسييس» الذي تمارسه الوزارة سرا بينما تحاربه علنا!
اليوم، نعيد طرح الفكرة من جديد، فتجربة «الصناديق الخيرية البحرينية»، أهم وأصوب وأنضج وأنسب بألف مرةٍ من فكرة «بنك الفقراء البنغالي» التي تتحمس وزارة التنمية لتطبيقها في البحرين.
لسنا ضد الأفكار الجديدة، لكننا ضد عقدة «مطربة الحي لا تطرب»، وخصوصا إذا أثبتت مطربتنا كفاءتها وصدقها وصدقيتها لدى الجميع، بدليل أن كتلا برلمانية مهتمةٌ الآن بطرح مقترح بدعمٍ شهري للصناديق، إذا صدّق عليها النواب، (وبعضهم قادمٌ من الصناديق) ستكون ثمارها أكبر للطبقات الفقيرة والمحرومة في البحرين.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1622 - الثلثاء 13 فبراير 2007م الموافق 25 محرم 1428هـ