أخواتنا المكافحات في مصانع الملابس الجاهزة من أجل لقمة نظيفة كريمة تعرضن ومازلن، منذ فترة ليست بالقصيرة إلى الظلم والاستهتار بحقوقهن من قبل أرباب الأعمال وممثلي الحكومة، وقد بلغ الاستهتار ذروته مع نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي بتسريح 450 عاملة من عاملات أحد المصانع. وبات واضحا لمن تابع سلسلة المقابلات والتقارير عن معاناة العاملات، دور ومسئولية الجهات الحكومية في تمكين أصحاب العمل، من النيل من حقوق وكرامة العاملات الفقيرات، فلا وزن لشروط العمل الإنسانية ولا لكرامة الجهد ولا للتظلمات الحارقة للمظلومات، ولا اكتراث بالأسر والأطفال الجائعة. والمضحك المبكي أننا نعيش حقبة ما يسمى بالإصلاحات والنهوض بالمرأة وفي وقت أصبح فيه مصطلح التمكين الاقتصادي للمرأة مضغة مفضلة للتباهي في المؤتمرات والفعاليات الخارجية.
وفي نبذة تاريخية عاجلة، نذكر أن العاملات الـ 450 كن تحت التهديد بالتسريح منذ يوليو/ تموز 2006، حيث ظهرت بوادر الخلاف بين الشركاء، إلا أن الحوار المشترك بين لجنة غلق المنشآت بوزارة العمل ونقابيي الاتحاد العام لعمال البحرين أرجأت فكرة هذا الغلق.
الخلاف ما لبث أن ظهر مرة أخرى بين الشركاء في ديسمبر/ كانون الأول وتنامى إلى مسامع بعض العاملات نية الشركاء إغلاق المصنع، واستنجدت هذه العاملات بالاتحاد العام الذي دبر موعدا للاجتماع مرة أخرى مع لجنة غلق المنشآت بوزارة العمل في 24 ديسمبر، إلا أن ذلك الاجتماع تأجل إلى ما بعد عطلة العيد وقبل انعقاده تسلمت العاملات في 26 ديسمبر 2006 خطاب الاستغناء النهائي عن خدماتهن بدءا من منتصف يناير/ كانون الثاني 2007 بسبب اتخاذ المصنع قرار الغلق النهائي. النقابيون أوضحوا لا قانونية إجراءات الغلق، كذلك غياب الضمانات عن المستحقات المالية والتعويضات للعاملات، وعليه وبوعي وتصميم من العاملات اعتصمن في نهاية ديسمبر، أمام المصنع المذكور لتخرج القضية إلى النور.
بجانب مجموعة كبيرة من العناصر متعلقة بظروف عمل هذه العاملات، فإن ما يعنينا بشكل رئيسي في موضوع التسريح هذا هو حفظ الحقوق وتوفير الاستحقاقات المادية للعاملات من دون استغلال أو استغفال، وإشراك العاملات في كل ذلك بشفافية ووعي ورضا. فترك الأمور لتصرف أرباب العمل من دون رقابة ومحاسبة سيفتح المجال لتكرار الاستغلال مرات ومرات في حق نساء أخريات وفي مواقع أخرى. فلا يجوز أن يكون الغلق غير متوافق مع الأنظمة والقوانين، ولا يجوز تهديد وترهيب العاملات لتوقيع إشعار إنهاء الخدمة من دون توضيح آلية التعويض المادي كتابيا من قبل المصنع، ولا يجوز ترك كيفية التعويض ومقداره للمصادفة أو التخمين.
هذه حقوق دأبت اتفاقات العمل العربية والدولية على الدفاع عنها والتوعية بشأنها سنوات طويلة لتحقق بعض الكرامة للناس مقابل الجشع المتوحش للمستثمرين الذين يعدون البشر آلات.
لقد عانت تلك العاملات من أوضاع عمل سيئة للغاية ومن معاملة حاطة بالكرامة من أجل تأمين لقمة العيش لإعالة أم أو زوج عاطل لا حول له ولا قوة أو إخوة يدرسون بالمدرسة.
فالتهوية في غالبية هذه المصانع ضعيفة ومكان العمل غير نظيف وفي بعضها تسرح الفئران الحية وتترك الفئران الميتة لأيام، والحمامات غير كافية وفي بعض المصانع مختلطة!، والوقوف في أقسام معينة إجباري لساعات طويلة كأن العاملة تنفذ حكما بالتعذيب من دون مراعاة لوضعها الصحي، وأماكن الراحة منعدمة ولا اعتراف بالإجازات المرضية أو إجازات الوفاة، ومخارج الطوارئ غير محددة بوضوح والتحرشات الجنسية متكررة وسوء المعاملة هي الأساس، ولا يلتزم عدد من المصانع بعقود عمل مناسبة وفقا لأحكام قانون العمل ولم يسدد اشتراكات عدد من العاملات في صندوق التأمينات لمدة عام كامل. أما الرواتب فتتراوح بين 80 إلى 120 دينارا لعاملات الخياطة اللاتي يعملن على الماكينة، ومن 70 إلى 90 دينارا للأخريات.
كما تعمل البعض بنظام القطعة وإن لم تنجز العدد المطلوب منها فيمكن أن يتدنى راتبها إلى 25 دينارا فقط، كذلك فكلفة المواصلات من جيب العاملة، والأدوية محفوظة عند الإدارة للخوف من السرقة.
الاتهامات الموجهة للحكومة ولغرفة التجارة كثيرة، عن إهمالهما مصالح العاملات ومسئوليتهما عن تهميش الاتحاد العام لنقابات العمال وعن تبعات التسويق لاتفاق التجارة الحرة مع الولايات المتحدة الأميركية والترويج بأن البحرين ستنتعش اقتصاديا منها، من دون امتلاك استراتيجية واضحة. فبعد توقيع الاتفاق أغلق مصنعان، ليتضاءل العدد الإجمالي للمصانع من 34 إلى خمس مصانع اليوم، وتم تسريح المئات من المواطنات والآلاف من الأجانب.
فهل هذه هي الجنة التي وعدت بها العاملات؟ وهل هذه هي الجنة التي سيأكل منها المحامون والأطباء من بعدهم، في زمن العولمة المتوحشة وحلفائها المحليين؟!.
إقرأ أيضا لـ "فريدة غلام إسماعيل"العدد 1622 - الثلثاء 13 فبراير 2007م الموافق 25 محرم 1428هـ