العدد 1621 - الإثنين 12 فبراير 2007م الموافق 24 محرم 1428هـ

يا عرب... أيهدم الأقصى وأنتم صامتون؟

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

ما جرى وما يجري في فلسطين أمر يصعب تصديقه، وما كنت اعتقد أنه قد يحصل في يوم من الأيام وفي أي ظرف من الظروف مهما كان سيئا، والأدهى من ذلك كله والأسوأ منه ردة الفعل العربية التي لا تكاد تشعر بها وكان كل تلك الحوادث لا تعني للعرب شيئا...

أما لماذا أوجه خطابي للعرب وخصوصا لأنهم المعنيون بالأمر قبل غيرهم، ولو كان الفلسطينيون في وضع عادي كسواهم لكانوا - في رأيي - هم أول من يطلب منهم إيقاف المهازل التي تجري في بلادهم ولكن لا حيلة لعاجز ولهذا تركت المسلمين عموما مع أنهم شركاء في المسئولية ولكن شراكتهم تبدأ عندما يتحد العرب أولا ويقومون بمسئولياتهم كاملة، أما وأنهم لم يفعلوا ما يستحقق الإشارة فمن العيب أن نلوم الآخرين.

الاقتتال الفلسطيني الذي راح ضحيته سبعة وثمانون شخصا كان مخجلا بكل المقاييس، فمن يصدق أن دولة محتلة يتقاتل أبناؤها بهذه الشراسة والمحتل يتفرج عليهم وسعيد بما يراه؟ ثم على ماذا يتقاتلون؟

مهما كانت المغانم التي سيحصل عليها بعضهم فإنها لا تساوي قطرة دم تسفك ظلما وعدوانا، إنها لا تساوي بقاء الاحتلال يوما واحدا كما أنها لا تساوي نظرة شعوب العالم إلى الفرد الفلسطيني الذي يقتل أخاه بهذه الطريقة السيئة...

أعرف أن موقف العالم كله من الحكومة الفلسطينية كان سببا قويا وراء ما جرى في فلسطين، وأعرف أن العرب لو تحركوا بصورة عادلة لما حصل ما حصل ولكن العرب بكل أسف لم يكونوا أفضل من سواهم ممن حارب حكومة حماس بكل أنواع الحرب التي تنافي ما يطلقون عليه «الشرعية الدولية» ولست أدري لماذا لا تطبق هذه الشرعية المزعومة إلا على الفلسطينيين؟

لقد صرح عمرو موسى قبل أشهر أنه سيخترق الحصار المالي الظالم المضروب على الفلسطينيين ولكنه لم يفعل... العرب كما يقول «القصيمي» ظاهرة صوتية فنحن نسمع جعجعة ولا نرى طحينا!

وفي ظل هذه الظلمات خرج صوت خادم الحرمين ليقول لفتح وحماس ان ما تفعلونه يسيء لكم ولنا جميعا، ويطلب منهم الالتقاء في مكة وإنهاء الاقتتال وتشكيل حكومة وحدة وطنية.

ويلتقي القوم في مكة وأمام الكعبة المشرفة، يتم توقيع الاتفاق على تشكيل الحكومة وبداية عهد جديد يكون قادرا على إنهاء معاناة الشعب الفلسطيني، كما قال أبومازن.

لا أريد أن أتحدث عن تفاصيل هذا الاتفاق، فقد تناولته جميع وسائل الإعلام، ولكني فرحت كثيرا بتمسك حماس بعدم الاعتراف بـ «إسرائيل» لأن «إسرائيل» وهي المغتصبة لم تعترف بحماس بل ولا تعترف بأي حق للفلسطينيين في بلادهم ولا بحق عودة اللاجئين، فكيف تريد من الحكومة الفلسطينية أن تعترف بهم؟

أولمرت تمنى أن لا ينجح لقاء مكة، وطالب عباس بعدم إنجاح هذا المؤتمر وعدم تشكيل حكومة لا تعترف بـ «إسرائيل»... قال هذا في لقاء مع رؤساء المنظمات اليهودية في أميركا... والذي يسمع هذا الكلام يعتقد أن أولمرت حقق لعباس كل الوعود التي تعهد بها!

لقد كذب عليه في كل شيء ومازال يفعل ذلك ومع هذا يريد منه إفشال أي اتفاق على حكومة وحدة وطنية! أرأيتم صفاقة أكثر من تلك الصفاقة؟

الشيء الذي أتمناه، وتمناه قبلي خادم الحرمين أن يرتقي كل المسئولين في فلسطين إلى مستوى المسئولية ويتمكنوا من تحقيق وحدة صادقة تمكنهم من بداية عهد جديد وقوي يحقق لهم آمالهم في دولة حقيقية وقوية...

الحدث الآخر الذي لا يقل سوءا عن سابقه والذي لا أعلم كيف سينتهي، هو ذلك الهدم الذي بدأ بجوار الأقصى والذي يمهد الطريق لهدم الأقصى كله وإقامة الهيكل اليهودي المزعوم بدلا عنه...

هذا الإجرام الذي بدأ الثلثاء الماضي ان استمر واستمر الصمت العربي - أو ردود الفعل الباهتة - فإنه سيكون تمهيدا لهدم الأقصى ومن ثم التهام فلسطين كلها...

الاعتداء على الأقصى الحالي ليس الأول من نوعه ولن يكون الأخير لأن ردود الفعل العربية سابقا وحاليا لم تكن مساوية لهول الحدث، كلام لعدة أيام ثم صمت بعد ذلك ولا شيء آخر.

لعلنا نتذكر ما قام به المتطرف اليهودي دينس دوهان العام 1969 عندما أشعل النار في المسجد مسببا حريقا هائلا في أجزاء كبيرة من الحرم وعندما سارت الأمور بهدوء أعلنت الحكومة اليهودية سنة 1996 وكان يتزعمها آنذاك نتنياهو عن حفر خندق في القدس القديمة قرب الأقصى وكان أولمرت - آنذاك - رئيسا لبلدية القدس، وبدأ الحفر فعلا وأدى هذا العمل إلى مواجهة دامية بين الفلسطينيين واليهود، ولكن الحفريات لم تتوقف، لأن الصمت العربي كان مستمرا.

في العام 2000 كانت زيارة شارون للمسجد الأقصى ورمزية هذه الزيارة أنها تعبير من الصهاينة أن المسجد ليس للفلسطينيين، ومعروف ان هذه الزيارة هي التي أشعلت شرارة الانتفاضة التي نتأمل أن تستمر حتى تحرير البلاد كلها...

مرة أخرى ردة الفعل العربية الباهتة هي التي شجعت الصهاينة الآن على بدء الهدم والحفريات عند باب المغاربة، هذا الباب - تحديدا - هو الذي يشرف على حائط البراق الذي يطلق عليه اليهود حائط المبكى، والاستيلاء على هذا الباب وتغيير ملامح المنطقة التاريخية سيسهل الأمر على الصهاينة للاستيلاء على هذه المنطقة ثم غيرها وهكذا حتى يتم لهم مبتغاهم بهدم المسجد كله.

ماذا فعل العرب إزاء ما يحدث الآن؟ المسجد ليس للفلسطينيين وحدهم، انه لكل مسلم على وجه الأرض، شأنه شأن الحرمين الشريفين والدفاع عنه مسئولية كل المسلمين أيضا فلماذا لم نر تحركا يتناغم مع هذه الأهمية؟

مصر - أكبر بلد عربي - استدعت السفير اليهودي للاحتجاج! ما شاء الله... هل سيؤثر فيهم هذا الاحتجاج؟ كان المؤمل أن تقطع العلاقات فورا وأن تتبنى مصر عملا عمليا سريعا يوقف مجزرة الأقصى... لكننا لم نسمع لا الاحتجاج!

الغريب أن وزير الخارجية المصري صرح عندما كانت «إسرائيل» تقصف لبنان بأن قطع العلاقات مع الصهاينة يعني إعلان الحرب، ولست أدري من أين جاء بهذا الكلام... تونس قطعت علاقتها مع قطر في قضية بسيطة فهل هذا كان إعلان حرب بينهما؟ ومثل هذا العمل كثير جدا بين الدول ولم نسمع أن دولة أعلنت حربا على الأخرى لهذا السبب... ألا تستحق بداية هدم الأقصى قطع علاقات لا تفيد إلا اليهود؟

وما أقوله عن مصر أقول مثله عن كل دولة عربية لها علاقات - مهما كانت - مع الصهاينة مثل الأردن وقطر وتونس وسواها، فمن العيب أن تستمر هذه العلاقات في مثل هذه الظروف السيئة!

دول عربية أخرى مثل المغرب والأردن وسواهما استنكرت هذه الأعمال ولكن الاستنكار وحده لا يكفي، فقد تعودت «إسرائيل» عليه كثيرا وعرفت أنه لا يقدم ولا يؤخر فما عاد يؤثر على جرائهما...

المملكة العربية السعودية نددت بالحفريات واعتبرتها عدوانا إسرائيليا سافرا واستفزازا لمشاعر المسلمين، ودعت المجتمع الدولي إلى التدخل لوقف هذه الأعمال...

ولأن للمملكة مكانة متميزة وفيها الحرمان الشريفان فإنني أتمنى أن تدعو وبسرعة لاجتماع عاجل في مكة لكل الزعماء العرب والمسلمين لاتخاذ قرارات عملية تحمي الأقصى من الجرائم التي لحقته والتي ستلحق به مستقبلا...

لقاء مكة الذي حقق الوحدة الوطنية بين الفلسطينيين يجب ان يتبعه لقاء آخر يحمي مقدسات المسلمين، ولن يكون هذا اللقاء أقل أهمية من سابقه بل سيزيد من أهميته من دون شك والمملكة قادرة على هذا الفعل وهو سيحسب لقادتها في الدنيا والآخرة.

الطريف أن رابطة العالم الإسلامي أعلنت - بارك الله فيها - أن تلك الحفريات أزعجتها! ما كنت أتمنى أن تحدث تلك الحفريات لا لشيء إلا لكي لا تنزعج رابطتنا الحبيبة!

الذي أود التذكير به أن العالم - بما فيه الإسلامي - وقف ولم يقعد عندما أعلنت «طالبان» عزمها على هدم المعابد البوذية لأن تلك المعابد تراث عالمي وهدمها عمل بربري لا يتفق مع الحضارة الإنسانية...

المسجد الأقصى مدرج ضمن قائمة التراث العالمي ويخضع لاتفاق لاهاي المتعلق بحماية المواقع الأثرية، والاعتداء عليه يشكل مخالفة للقانون الدولي، فلماذا لم يقم العالم لاستنكار تغيير معالمه أسوة بما فعله هذا العالم مع تماثيل بوذا؟ لماذا لا يثير الزعماء العرب هذه المسألة ان كانوا يخجلون من إثارتها على أساس ديني؟

ومن المفارقات العجيبة أن الحاخام يسرائيل ديفيد وايز الذي يعيش في أميركا يقول: إن وجود «إسرائيل» ضد التوراة وان تلك الحفريات خطأ وأنه ليس للصهاينة حق في فلسطين من أي نوع كان... هل يستطيع قادة العرب وكبارهم أن يقولوا مثله؟

أعتقد أننا نحتاج إلى عمل مخلص وجاد وسريع يحمي وجودنا كله وليس الأقصى وحده ومن دون ذلك قد يضيع الجميع...

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 1621 - الإثنين 12 فبراير 2007م الموافق 24 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً