العدد 1621 - الإثنين 12 فبراير 2007م الموافق 24 محرم 1428هـ

«سندويتش» الإعلام الخليجي

محمد غانم الرميحي comments [at] alwasatnews.com

في مدينة دبي التي تجمع اليوم الكثير من المبادرات، عقد لقاء في نهاية الأسبوع الماضي. وهو اللقاء السنوي «لمنتدى التنمية» وهو منتدى ثقافي عمره بعد هذه الدورة يقارب الثلاثين عاما. أعضاؤه من أبناء الخليج بعضهم يأتي إليه كل عام منذ ذلك التاريخ البعيد، وبعضهم يتجدد بتجدد الأجيال.

هذا العام كان موضوع المنتدى التنموي «الإعلام في الخليج» وهو إعلام يستحق أن يتوقف عنده كثيرون لعدد من الأسباب، منها أن معظم الثلاث مئة محطة تلفزيونية أو حولها، التي تملأ السماء العربية في منطقتنا إما هي منطلقة من نقطة في الخليج، أو هي ممولة بمال أساسه من هنا، أما العامل الثاني فإن الإعلام بفروعه المعروفة (المقروء والمسموع والمرئي) وأيضا ما ينشر على الشبكة الدولية (الانترنت) يفتقد المهمات الثلاث الرئيسية وهي: تحديد المهمة لهذا الإعلام، والرؤية وأخيرا الأهداف المحققة. وكما هو معروف ليس هناك دعوة مجانية إلى الطعام، فليس هناك إعلام ليس له هدف أو لا تضبطه ضوابط، إلا في منطقتنا التي يخلط إعلامها الحابل بالنابل. أحد المتدخلين قال إن الإعلام الأميركي استطاع أن يقتلع احد رؤساء أميركا من على كرسيه، في إشارة إلى الرئيس نيكسون وفضيحة «واترغيت»، وتناسى الزميل أن «الإعلام العربي» قتل رئيس جمهورية في حال الرئيس السادات الذي قتله كتيب «الفريضة الغائبة» وقد قرأه فقط سبعون شخصا، كما أن الإعلام العربي قلب تنظيم دول، ولا حاجة هنا إلى الاشارة إلى الامثله فهي اوضح من أن تعد.

الأوراق التي قدمت في اللقاء اوراق مهمة قدمها مهتمون يحملون وجهات نظر، وهي متاحة للمهتمين على موقع المنتدى في الشبكة الدولية (الانترنت) وما أحسب أنه يحتاج إلى نقاش هو في خصوصيات الإعلام العربي ومنها الإعلام الخليجي.

أولا: الحرية الاعلامية، جرى الحديث مطولا ومكثفا عن الحرية الإعلامية المتاحة في دول الخليج، وهي بالتأكيد متعددة التدرجات ومختلفة عن بعضها في دولنا، كما أنها مطلوبة لأي وسيلة اعلامية كي تقوم بالدور المنوط بها، ليس هنا الاختلاف في عموميات الطرح. بل الاختلاف هو بشأن سؤال: ما علاقة الحرية بالمسئولية؟ ذلك مربط الفرس. فالكثير من الدول المتقدمة في الشرق والغرب لديها مرجعية وطنية، عدا القوانين واللوائح والتعليمات والتوجيهات، هناك شيء آخر اسمه المسئولية الاجتماعية لحماية شرائح المجتمع من الفضول الإعلامي أو استخدام الوسيلة الإعلامية للإضرار بآخرين من دون وجه حق، وعادة ما تسمى بالثقافة السياسية السائدة. هذا الميزان يُفتقد على المستوى النظري والعملي في بلادنا. فإما مطالبة «بحرية» مطلقة ولا مسئولية بجانبها، أو رقابة صارمة تضع نفسها بديلا للإعلام وتقرر ما يجب أن يقرأ ويسمع ويشاهد المواطن، وإذا كانت رقابة الدولة مفهومة لأسباب نشوء الدولة نفسها، فهناك «رقابة مجتمعية» صارمة يعاني منها الإعلام في دول الخليج وخصوصا المكتوب، وتُعطل بعضه عن العمل المنتج أو الناجح، تقاوم التغيير باسم الحفاظ على القيم، وهي قيم خاصة بها وليست عامة في المجتمع. لذلك فإن الاعلامي الخليجي يقع بين شطيرتي «سندويتش» هما الضغط من الدولة والضغط المضاد من شرائح في المجتمع تنصب نفسها من دون وجه حق أو استناد إلى قانون رقيبا صارما على ما يكتب وينشر.

الوسط الاعلامي في الخليج ليس به «وسط مهني» حي ومتفاعل؛ فبين برامج الكم لا النوع، وغياب المعلومة والصراخ والشتم تضيع على المتلقي حقائق كثيرة.

سؤال مركزي آخر طرح في الندوة وأرى أنه شرعي، وهو: هل برامجنا الإعلامية (مرة أخرى المشاهدة والمقروءة وغيرها) هي استجابة لوسط اجتماعي يرغب بمتابعة الإثارة و «هشك بشك» وما «إلك الا هيفا» أو هي صراخ الديكة المتقافزين حول طاولة «الحوار»؟ أي هل الوسائل الاعلامية تخلق الفرص وتهيئ الظروف لظهور ذلك الوسط الاجتماعي المفرغ من عقله؟ هذا سؤال يستحق المناقشة من الجميع.

ثم ما دور النخبة صانعة الإعلام؟ وهل في فضائنا الخليجي حقا «نخبة» بمعنى أنها مجموعة واعية تسير لتحقيق الأهداف التي ترغب في وصول المجتمع لها، أم هي جزء من كل يتلهى بلعبة اسمها «الإعلام»، من دون أن يكون خلفها فهم لما يجب أن يحقق؟

في وقت تشهد فيه التقنية عموما والتقنية الاعلامية خصوصا ما يمكن أن يسمى «بالثورة الثالثة» التي تستطيع أن تقدم لك المعلومة والخبر وأنت في أي مكان وفي أي وقت من النهار أو الليل، فالصورة والكلمة لا تحدها حدود ولا تقف أمامها عواقب أو «ممنوعات»، مازال بعضنا يعتقد بأن رفع الأسوار أمام الإعلام هو النجاح في منعه، في الوقت الذي كلما ارتفعت الاسوار كلما صغر حجم «الدش اللاقط» وتعاظمت سرعة الانترنت وانتشرت. من الحسن التذكير أن مجتمعات الخليج سابقت نفسها في الحصول على آخر المقتنيات الموصولة بالإعلام الحديث، ولا تجد بيتا أو عمارة إلا وعلى رأسها غابة من الصحون اللاقطة.

حقيقة أخرى أن الإعلام المقروء يحتاج إلى قُراء والإعلام المشاهد إلى مشاهدين والمسموع إلى مستمعين! ترى ما هو حجم القراءة في مجتمعاتنا؟ وهل طلاب جامعاتنا يقرأون؟ وماذا يشاهد الجمهور مع وجود الآلة الصغيرة في يده لتغيير القنوات والذي لا يستقرون على مشاهدة شيء جاد ومفيد؟ ثم لأي سبب تتكاثر قنوات التعليم وتبسيط العلوم في العالم، وتتكاثر في فضائنا العربي قنوات «الأغاني» فقط؟

باختصار، هل يقدم لنا إعلامنا «تنمية» أم «تعمية»؟

إقرأ أيضا لـ "محمد غانم الرميحي"

العدد 1621 - الإثنين 12 فبراير 2007م الموافق 24 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً