العدد 1621 - الإثنين 12 فبراير 2007م الموافق 24 محرم 1428هـ

«جرامين»... العبقرية لا تُستَورد!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

إن كان ثمة عبقريةٌ تستحق الإشادة في عمل الاقتصادي البنغالي محمد يونس، مؤسس «بنك الفقراء»، فهي أنه انطلق لحل مشكلات مجتمعه من داخل هذا المجتمع، ولم يستورد أفكار آدم سميث أو ديفيد ريكاردو أو اللورد جون كينز! ولو حاول تطبيق أحدث النظريات الرأسمالية في بلده الفقير جدا، لما رأى هذا المصرف الطريق إلى النور... ولما حصل بالنتيجة على جائزة نوبل!

الأمر نفسه يمكن أن يقال هنا، عند استيراد نظرية «أصيلة» نبتت في تربةِ أفقرِ بلدٍ في العالم لاستنباتها في تربة دولةٍ نفطيةٍ مثل البحرين، حتى لو كان ثلث سكانها يعانون اليوم من تدهور المستوى المعيشي، ويعيش ربع سكانها تحت خط الفقر.

أحد الزملاء الاقتصاديين علّق على عدم طلب بنك «جرامين» أية ضمانات على القروض، بأنه لو طُبّق هذا النظام لأفلس المصرف خلال خمسة أشهر! وهي رؤيةٌ صحيحةٌ مئة بالمئة، لأنها تدل على معرفة باتجاهات مجتمعنا. فالبنغالي الفقير الذي لا يزيد دخله على دولار واحد في اليوم (375 فلسا)، سترتبط حياته بالجهة التي تمدّ له طوق النجاة، وسيتلقى الـعشرين دولارا، هذا المبلغ الزهيد بدموع الامتنان. أما لو قدّمت في مجتمعنا قرضا بـ 200 دينار من دون ضمانات، فالأكثرية ستأخذ المبلغ إلى أقرب محل للهواتف النقالة، لشراء أحدث موبايل (أبو كاميرتين) للتفاخر والمباهاة!

المصارف التجارية التي تعتمد في 90 في المئة على القروض الشخصية في البحرين لمضاعفة أرباحها، تعاني من مشكلات في استيفاء الديون. وهي مشكلةٌ تواجه عددا من الشركات الخاصة والمؤسسات الحكومية، بما فيها إدارات مثل الأوقاف الدينية، مع أن المتعاملين معها يتعاملون مع أموال شرعية.

مشكلة استيفاء الديون، وقضايا تحرير شيكات من دون رصيد، باتت من الكثرة بحيث لم تعد تثير شهية الصحافي المكلّف بتغطية قضايا المحاكم، ولم تعد تهتم بتغطيتها صحفنا المحلية، مقابل قضايا القتل أو الانتحار أو السرقات والانتهاكات الأخلاقية والجنح. بل إن أحد المحامين يقول إن ثلاثة أرباع القضايا الواردة على المحاكم هي لاستيفاء ديون.

من هنا، فإن ضيفنا الكبير محمد يونس، لو طبق نظريته المبدعة في البحرين، فإنه سيضطر لإغلاقه بعد خمسة أشهر. وبالمقابل، كان حريا بنا أن نبحث عن حلولٍ لمشكلاتنا نابعة من تربتنا، ومتوائمة مع بيئتنا «النفطية»، والنزعات الاستهلاكية التي تتحكّم في مجتمعنا. هذا المجتمع الذي كثيرا ما تسوقه نزعة المباهاة والتفاخر، إلى الاقتراض ليسافر في الصيف، أو يجدّد دَيْنَه من أجل شراء سيارة جديدة يظل يدفع أقساطها لمدة سبعة أعوام.

نقول هذا ليس تحبيطا ولا حبّا في المعارضة، وإنما هي دعوةٌ للتفكّر في واقعنا بموضوعيةٍ وصدقٍ مع النفس، مع اتساع رقعة الفقر، وزيادة عدد المنضوين تحت خط الفقر، ولنبدأ بالحلول الجذرية بعيدة المدى، بدءا من إصلاح النظام التعليمي، وليس ترويج مشروعات توظيف هي أشبه بعمليات السمسرة، لخلق مزيد من البطالة المقنّعة.

لدينا تجربةٌ بحرينيةٌ رائدة، أهم من تجربة «بنك جرامين»، هي تجربة الصناديق الخيرية، التي بدأت بجهودٍ فرديةٍ وجماعية، وراكمت من الخبرات طوال عشرين عاما، وأصبحت اليوم جزءا مهما من عملية «الإنقاذ» الاجتماعي. هذه التجربة البحرينية الخالصة بحاجةٍ إلى رعاية خاصة ودعم من وزارة التنمية المنبهرة جدا كما يبدو بتجربة «جرامين». الصناديق زاد عددها على الثمانين، على رغم ضعف الإقبال على العمل التطوعي، ما يدلّ على أهميتها للمجتمع الذي أنبتها، ولكنها بدل الدعم فإنها تعاني من عرقلة مشروعاتها، وآخرها عرقلة مشروع «اتحاد الصناديق الخيرية»، لأسباب تدعو للحزن والأسى.

ابدئي يا وزارة التنمية بتجربة «جرامين الصناديق الخيرية»، ودعوا عنكم الانبهار وحب التقليد.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1621 - الإثنين 12 فبراير 2007م الموافق 24 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً